أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقّل في يده وقال: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، كما سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
ولما رجع القرمطى إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فقاتله أمير مكة فقتله القرمطى وقتل أكثر أهل بيته، وأهل مكة وجنده، واستمر ذاهبا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج. وقد ألحد هذا للعين في المسجد الحرام إلحادا لم يسبقه إليه أحد ولا يلحقه فيه، وسيجازيه على ذلك الّذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد. وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهديّ، وهو أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح. وقد كان صباغا بسلمية، وكان يهوديا فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بلاد إفريقية، فادعى أنه شريف فاطمي، فصدقه على ذلك طائفة كثيرة من البربر وغيرهم من الجهلة، وصارت له دولة، فملك مدينة سجلماسة، ثم ابتنى مدينة وسماها المهدية، وكان قرار ملكه بها، وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه ويدعون إليه، ويترامون عليه، ويقال إنهم إنما كانوا يفعلون ذلك سياسة ودولة لا حقيقة له.
وذكر ابن الأثير أن المهدي هذا كتب إلى أبى طاهر يلومه على ما فعل بمكة حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وانكشفت أسرارهم التي كانوا يبطنونها بما ظهر من صنيعهم هذا القبيح، وأمره برد ما أخذه منها، وعوده إليها. فكتب إليه بالسمع والطاعة، وأنه قد قبل ما أشار إليه من ذلك.
وقد أسر بعض أهل الحديث في أيدي القرامطة، فمكث في أيديهم مدة، ثم فرج الله عنه، وكان يحكى عنهم عجائب من قلة عقولهم وعدم دينهم، وأن الّذي أسره كان يستخدمه في أشق الخدمة وأشدها وكان يعربد عليه إذا سكر. فقال لي ذات ليلة وهو سكران: ما تقول في محمدكم؟ فقلت: لا أدرى.
فقال: كان سائسا. ثم قال: ما تقول في أبى بكر؟ فقلت: لا أدرى. فقال: كان ضعيفا مهينا. وكان عمر فظا غليظا. وكان عثمان جاهلا أحمق. وكان على ممخرقا ليس كان عنده أحد يعلمه ما ادعى أنه في صدره من العلم، أما كان يمكنه أن يعلم هذا كلمة وهذا كلمة؟. ثم قال: هذا كله مخرقة. فلما كان من الغد قال: لا تخبر بهذا الّذي قلت لك أحدا. ذكره ابن الجوزي في منتظمه.
وروى عن بعضهم أنه قال: كنت في المسجد الحرام يوم التروية في مكان الطواف، فحمل على