للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبرذونا وفرسا وجارية. وقال له: لو أعلم مركوبا غير هذا لأعطيتك. ثم أورد الخطيب بأسانيده عن جماعة أخبارا تدل على كرمه وفصاحته وأدبه وحلمه ومبادرته إلى القضاء الحاجات، وعظيم منزلته عند الخلفاء. وذكر عن محمد المهدي بن الواثق أن شيخا دخل يوما على الواثق فسلم فلم يرد عليه الواثق بل قال: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين بئس ما أدّبك معلمك. قال الله تعالى ﴿وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها﴾ فلا حييتنى بأحسن منها ولا رددتها. فقال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين الرجل متكلم. فقال: ناظره. فقال ابن أبى دؤاد: ما تقول يا شيخ في القرآن أمخلوق هو؟ فقال الشيخ: لم تنصفني، المسألة لي. فقال: قل. فقال: هذا الّذي تقوله علمه رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ أو ما علموه؟ فقال ابن أبى دؤاد: لم يعلموه. قال: فأنت علمت ما لم يعلموا؟ فخجل وسكت. ثم قال أقلنى بل علموه، قال: فلم لا دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت، أما يسعك ما وسعهم؟ فخجل وسكت وأمر الواثق له بجائزة نحو أربعمائة دينار فلم يقبلها. قال المهدي:

فدخل أبى المنزل فاستلقى على ظهره وجعل يكرر قول الشيخ على نفسه ويقول: أما وسعك ما وسعهم؟ ثم أطلق الشيخ وأعطاه أربعمائة دينار ورده إلى بلاده، وسقط من عينيه ابن أبى دؤاد ولم يمتحن بعده أحدا. ذكره الخطيب في تاريخه باسناد فيه بعض من لا يعرف، وساق قصته مطولة. وقد أنشد ثعلب عن أبى حجاج الأعرابي أنه قال في ابن أبى دؤاد:

نكست الدين يا ابن أبى دؤاد … فأصبح من أطاعك في ارتداد

زعمت كلام ربك كان خلقا … أما لك عند ربك من معاد

كلام الله أنزله بعلم … على جبريل إلى خير العباد (١)

ومن أمسى ببابك مستضيفا … كمن حلّ الفلاة بغير زاد

لقد أطرفت يا ابن أبى دؤاد … بقولك إنني رجل إيادي

ثم قال الخطيب: أنبأ القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: أنشدنا المعافى بن زكريا الجريريّ عن محمد بن يحيى الصولي لبعضهم يهجو ابن أبى دؤاد:

لو كنت في الرأى منسوبا إلى رشد … وكان عزمك عزما فيه توفيق

وقد تقدمت هذه الأبيات.

وروى الخطيب عن أحمد بن الموفق أو يحيى الجلاء أنه قال: ناظرنى رجل من الواقفية في خلق القرآن فنالني منه ما أكره، فلما أمسيت أتيت امرأتي فوضعت لي العشاء فلم أقدر أن أنال منه شيئا، فنمت فرأيت رسول الله في المسجد الجامع وهناك حلقة فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، فجعل رسول الله يقرأ هذه الآية ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ﴾ ويشير إلى حلقة ابن أبى دؤاد (فقد وكلنا)


(١) كذا في الأصل والوزرة غير مستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>