(بها قوما ليسوا بها بكافرين) ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه. وقال بعضهم: رأيت في المنام كأن قائلا يقول: هلك الليلة أحمد بن أبى دؤاد. فقلت له: وما سبب هلاكه؟ فقال: إنه أغضب الله عليه فغضب عليه من فوق سبع سماوات. وقال غيره: رأيت ليلة مات ابن أبى دؤاد كأن النار زفرت زفرة عظيمة فخرج منها لهب فقلت: ما هذا؟ فقيل هذا أنجزت لابن أبى دؤاد.
وقد كان هلاكه في يوم السبت لسبع بقين من المحرم من هذه السنة، وصلى عليه ابنه العباس ودفن في داره ببغداد وعمره يومئذ ثمانون سنة، وابتلاه الله بالفالج قبل موته بأربع سنين حتى بقي طريحا في فراشه لا يستطيع أن يحرك شيئا من جسده، وحرم لذة الطعام والشراب والنكاح وغير ذلك.
وقد دخل عليه بعضهم فقال: والله ما جئتك عائدا وإنما جئتك لأعزيك في نفسك وأحمد الله الّذي سجنك في جسدك الّذي هو أشد عليك عقوبة من كل سجن، ثم خرج عنه داعيا عليه بأن يزيده الله ولا ينقصه مما هو فيه، فازداد مرضا إلى مرضه. وقد صودر في العام الماضي بأموال جزيلة جدا، ولو كان يحمل العقوبة لوضعها عليه المتوكل. قال ابن خلكان: كان مولده في سنة ستين ومائة.
قلت: فعلى هذا يكون أسن من أحمد بن حنبل ومن يحيى بن أكثم الّذي ذكر ابن خلكان أن ابن أكثم كان سبب اتصال ابن أبى دؤاد بالخليفة المأمون، فحظي عنده بحيث إنه أوصى به إلى أخيه المعتصم، فولاه المعتصم القضاء والمظالم، وكان ابن الزيات الوزير يبغضه، وجرت بينهما منافسات وهجو، وقد كان لا يقطع أمرا بدونه. وعزل ابن أكثم عن القضاء وولاه مكانه، وهذه المحنة التي هي أس ما بعدها من المحن، والفتنة التي فتحت على الناس باب الفتن.
ثم ذكر ابن خلكان ما ضرب به الفالج وما صودر به من المال، وأن ابنه أبا الوليد محمد صودر بألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار، وأنه مات قبل أبيه بشهر. وأما ابن عساكر فإنه بسط القول في ترجمته وشرحها شرحا جيدا. وقد كان الرجل أديبا فصيحا كريما جوادا ممدحا يؤثر العطاء على المنع، والتفرقة على الجمع. وقد روى ابن عساكر باسناده أنه جلس يوما مع أصحابه ينتظرون خروج الواثق فقال ابن أبى دؤاد إنه ليعجبني هذان البيتان:
ولى نظرة لو كان يحبل ناظر … بنظرته أنثى لقد حبلت منى
فان ولدت ما بين تسعة أشهر … إلى نظر ابنا فان ابنها منى
وممن توفى فيها من الأعيان أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الفقهاء المشاهير. قال الامام أحمد: هو عندنا في مسلاخ الثوري. وخليفة بن خياط أحد أئمة التاريخ وسويد بن سعد الحدثانى وسيد بن نصر. وعبد السلام بن سعيد الملقب بسحنون أحد فقهاء المالكية المشهورين. وعبد الواحد ابن غياث. وقتيبة بن سعيد شيخ الأئمة والسنة. وأبو العميثل عبد الله بن خالد كاتب عبد الله بن