وهذا من العجب فإنه نقض الجدار وما يسامته من السقف، وأعيد في مدة لا يتخيل إلى أحد أن عمله يفرغ فيما يقارب هذه المدة جزما، وساعدهم على سرعة الاعادة حجارة وجدوها في أساس الصومعة الغربية التي عند الغزالية، وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة كما في الغربية والشرقية القبلتين منه فأبيدت الشماليتين قديما ولم يبق منهما من مدة ألوف من السنين سوى أس هذه المئذنة الغربية الشمالية، فكانت من أكبر العون على إعادة هذا الجدار سريعا. ومن العجب أن ناظر الجامع ابن مراجل لم ينقص أحدا من أرباب المرتبات على الجامع شيئا مع هذه العمارة.
وفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى وقع حريق عظيم بالقرايين واتصل بالرماحين، واحترقت القيسارية والمسجد الّذي هناك، وهلك للناس شيء كثير من الفرا والجوخ والأقمشة، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
وفي يوم الجمعة عاشره بعد الصلاة صلى على القاضي شمس الدين بن الحريري قاضى قضاة الحنفية بمصر، وصلى عليه صلاة الغائب بدمشق. وفي هذا اليوم قدم البريد بطلب برهان الدين بن عبد الحق الحنفي إلى مصر ليلى القضاء بها بعد ابن الحريري، فخرج مسافرا إليها، ودخل مصر في خامس عشرين جمادى الأولى، واجتمع بالسلطان فولاه القضاء وأكرمه وخلع عليه وأعطاه بغلة بزنارى، وحكم بالمدرسة الصالحية بحضرة القضاة والحجاب، ورسم له بجميع جهات ابن الحريري.
وفي يوم الاثنين تاسع جمادى الآخرة أخرج ما كان عند الشيخ تقى الدين بن تيمية من الكتب والأوراق والدواة والقلم، ومنع من الكتب والمطالعة، وحملت كتبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة. قال البرزالي: وكانت نحو ستين مجلدا، وأربع عشرة ربطة كراريس، فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرقوها بينهم، وكان سبب ذلك أنه أجاب لما كان رد عليه التقى ابن الاخنائى المالكي في مسألة الزيارة فرد عليه الشيخ تقى الدين واستجهله وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم، فطلع الاخنائى إلى السلطان وشكاه، فرسم السلطان عند ذلك بإخراج ما عنده من ذلك وكان ما كان، كما ذكرنا. وفي أواخره رسم لعلاء الدين بن القلانسي في الدست، مكان أخيه جمال الدين توقيرا لخاطره عن المباشرة، وأن يكون معلومه على قضاء العساكر والوكالة، وخلع عليهما بذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرين رجب رسم للأئمة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بالصلاة في الحائط القبلي من الأموي، فعين المحراب الجديد الّذي بين الزيادة والمقصورة للإمام الحنفي، وعين محراب الصحابة للمالكى وعين، محراب مقصورة الخضر الّذي كان يصلى فيه المالكي للحنبلى، وعوض إمام محراب الصحابة بالكلاسة، وكان قبل ذلك في حال العمارة قد بلغ محراب الحنفية من المقصورة