للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غالب على أمره. فذكر قصة الطفيل بن عمرو الدوسيّ مرسلة، وكان سيدا مطاعا شريفا في دوس، وكان قد قدم مكة فاجتمع به أشراف قريش وحذروه من رسول الله ونهوه أن يجتمع به أو يسمع كلامه، قال فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا (١) فرقا من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه. قال فغدوت الى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلى عند الكعبة، قال فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، قال فسمعت كلاما حسنا، قال فقلت في نفسي وا ثكل أمى والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى على الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فان كان الّذي يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله إلى بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا - الّذي قالوا - قال فو الله ما برحوا بى يخوفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف لئلا اسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعت قولا حسنا، فاعرض على أمرك: قال فعرض عليّ رسول الله الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه. قال فأسلمت وشهدت شهادة الحق

وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع اليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم اليه. قال فقال: «اللهمّ اجعل له آية» قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع بين عيني نور مثل المصباح. قال فقلت: اللهمّ في غير وجهي فانى أخشى أن يظنوا بها مثلة وقعت في وجهي لفراقى دينهم، قال فتحول فوقع في رأس سوطي قال فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور في رأس سوطي كالقنديل المعلق وأنا أتهبط عليهم من الثنية حتى جئتهم فأصبحت فيهم، فلما نزلت أتانى أبى - وكان شيخا كبيرا - فقلت: إليك عنى - يا أبة فلست منك ولست منى، قال ولم يا بنى؟ قال قلت أسلمت وتابعت دين محمد . قال: أي بنى فدينك ديني. فقلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت. قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، قال ثم أتتنى صاحبتي فقلت إليك عنى فلست منك ولست منى. قالت: ولم؟ بأبي أنت وأمى. قال قلت فرق بيني وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد . قالت فديني دينك. قال: فقلت فاذهبي إلى حمى ذي الشري فتطهري منه، وكان ذو الشري صنما لدوس وكان الحمى حمى حموه حوله به وشل من ماء يهبط من جبل. قالت: بابي أنت وأمى أتخشى على الصبية من ذي الشري شيئا؟ قلت لا، أنا ضامن لذلك. قال فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا على،

ثم جئت رسول


(١) الكرسف هو القطن كذا في هامش الحلبية والقاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>