للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت ما وهبتني من حياتي في عيش رضى، فأطلق له مائة ألف، فقال الرجل إني أشهدك أن نصفها لابن قيس الرقيات حيث يقول فيك: -

إن مصعبا شهاب من الله … تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رحمة ليس فيه … جبروت منه ولا كبرياء

يتقى الله في الأمور وقد … أفلح من كان همه الاتقاء

وفي رواية أنه قال له: أيها الأمير قد وهبتني حياة، فإن استطعت أن تجعل ما قد وهبتني من الحياة في عيش رضى وسعة فافعل، فأمر له بمائة ألف.

وقال الامام أحمد: حدثنا حماد بن سلمة ثنا على بن يزيد قال: بلغ مصعبا عن عريف الأنصاري شيء فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له: سمعت رسول الله يقول: «استوصوا بالأنصار خيرا - أو قال معروفا - أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم». فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال: «أمر رسول الله على الرأس والعين» فتركه. ومن كلام مصعب في التواضع أنه قال: العجب من ابن آدم كيف يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين.

وقال محمد بن يزيد المبرد: سئل القاسم بن محمد عن مصعب فقال: كان نبيلا رئيسا تقيا أنيسا. وقد تقدم أنه لما ظهر على المختار قتل من أصحابه في غداة واحدة خمسة آلاف، وقيل سبعة آلاف، فلما كان بعد ذلك لقي ابن عمر فسلم عليه فلم يعرفه ابن عمر، لأنه كان قد أنضر في عينيه، فتعرف له فعرفه، قال: أنت الّذي قتلت في غداة واحدة خمسة آلاف ممن يوحد الله؟ فاعتذر إليه بأنهم بايعوا المختار، فقال: أما كان فيهم من هو مستكره أو جاهل فينظر حتى يتوب؟ أرأيت لو أن رجلا جاء إلى غنم الزبير فنحر منها خمسة آلاف في غداة واحدة، أما كان مسرفا؟ قال: بلى! قال: وهي لا تعبد الله ولا تعرفه كما يعرفه الآدمي، فكيف بمن هو موحد؟ ثم قال له: يا بنى تمتع من الماء البارد ما استطعت، وفي رواية أنه قال له: عش ما استطعت.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن عن زفر بن قتيبة عن الكلبي قال قال عبد الملك ابن مروان يوما لجلسائه: من أشجع العرب والروم؟ قالوا شبيب، وقال آخر: قطري بن الفجاءة وفلان وفلان. فقال عبد الملك: إن أشجع الناس لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة وأمه الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وابنه ريان بن أنيف الكلبي، سيد ضاحية العرب وولى العراقين خمس سنين فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، مع ما لنفسه من الأموال وملك غير ذلك من الأثاث والدواب والأموال ما لا يحصى، وأعطى مع هذا الأمان وأن يسلم هذا له جميعه مع الحياة فزهد في هذا كله وأبى واختار القتل على مقام ذل، ومفارقة هذا كله ومشى

<<  <  ج: ص:  >  >>