فأضحى الّذي قد كان مما يسرني … كحلم مضى في المزمنات الفوابر
فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة … ولم أسع في لذات عيش نواضر
وقد أنشد هذه الأبيات معاوية بن أبى سفيان عند موته.
وقال أبو مسهر: قيل لعبد الملك في مرض موته: كيف تجدك؟ فقال أجدنى كما قال الله تعالى ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ﴾ الآية. وقال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر عبد الملك أمر بفتح الأبواب من قصره، فلما فتحت سمع قصارا بالوادي فقال: ما هذا؟ قالوا قصار، فقال: يا ليتني كنت قصارا أعيش من عمل يدي، فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله قال: الحمد لله الّذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا ولا نفر إليهم. وقال:
لما حضره الموت جعل يندم ويندب ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أنى اكتسبت قوتي يوما بيوم واشتغلت بعبادة ربى ﷿ وطاعته. وقال غيره: لمّا حضرته الوفاة دعا بنيه فوصاهم ثم قال: الحمد لله الّذي لا يسأل أحدا من خلقه صغيرا أو كبيرا ثم ينشد: -
فهل من خالد إما هلكنا … وهل بالموت للباقين عار
ويروى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شم الهواء وقال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإنا كنا بك لفي غرور، ثم تمثل بهذين البيتين:
إن تناقش يكن نقاشك يا رب … عذابا لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز فأنت رب صفوح … عن مسيء ذنوبه كالتراب
قالوا: وكانت وفاته بدمشق يوم الجمعة وقيل يوم الأربعاء وقيل الخميس، في النصف من شوال سنة ست وثمانين، وصلى عليه ابنه الوليد ولى عهده من بعده، وكان عمره يوم مات ستين سنة. قاله أبو معشر وصححه الواقدي، وقيل ثلاثا وستين سنة. قاله المدائني، وقيل ثماني وخمسين. ودفن بباب الجابية الصغير، قال ابن جرير: ذكر أولاده وأزواجه منهم الوليد وسليمان ومروان الأكبر درج وعائشة، وأمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، ويزيد ومروان الأصغر ومعاوية درج وأم كلثوم وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وهشام وأمه أم هشام عائشة - فيما قاله المدائني - بنت هشام بن إسماعيل المخزومي. وأبو بكر واسمه بكار وأمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، والحكم درج وأمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان الأموي، وفاطمة وأمها المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي. وعبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة ومحمد وسعد الخير والحجاج لأمهات أولاد شتى، فكان جملة أولاده تسعة عشر ذكورا وإناثا،