وكذلك قتل صَلَاحُ الدِّينِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ له قديد القفاجى، كان قَدِ افْتَتَنَ بِهِ النَّاسُ، وَجَعَلُوا لَهُ جُزْءًا مِنْ أَكْسَابِهِمْ، حَتَّى النِّسَاءُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ، فَأُحِيطَ به فأراد القفاجى الخلاص ولات حين مناص، فقتل أسوة فيمن سلف، وَمِمَّا وُجِدَ مِنْ شِعْرِ عُمَارَةَ يَرْثِي الْعَاضِدَ ودولته وأيامه.
أسفى على زمان الْإِمَامِ الْعَاضِدِ ... أَسَفُ الْعَقِيمِ عَلَى فِرَاقِ الْوَاحِدِ
لَهْفِي عَلَى حُجُرَاتِ قَصْرِكَ إِذْ خَلَتْ ... يَا ابْنَ النَّبِيِّ مِنَ ازْدِحَامِ الْوَافِدِ
وَعَلَى انْفِرَادِكَ من عساكرك التي ... كانوا كأمواج الخضم الراكد
قلدت مؤتمن أَمْرَهُمْ فَكَبَا ... وَقَصَّرَ عَنْ صَلَاحِ الْفَاسِدِ
فَعَسَى الليالي أن ترد إليكم ... مَا عَوَّدَتْكُمْ مِنْ جَمِيلِ عَوَائِدِ
وَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ:
يَا عَاذِلِي فِي هَوَى أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ ... لَكَ الْمَلَامَةُ إِنْ قَصَّرْتَ فِي عَذْلِي
باللَّه زر ساحة القصرين وابك معى ... لا على صفين [البكا] ولا الجمل
وَقُلْ لِأَهْلِهِمَا وَاللَّهِ مَا الْتَحَمَتْ ... فَيكُمْ قُرُوحِي وَلَا جُرْحِي بِمُنْدَمِلِ
مَاذَا تَرَى كَانَتِ الْإِفْرِنْجُ فاعلة ... في نسل ابني أمير المؤمنين على
وقد أورد له الشيخ أبو شامة في الروضتين أشعارا كثيرة من مدائحه في الفاطميين، وكذا ابن خلكان.
[ابن قسرول]
صاحب كتاب مطالع الأنوار، وضعه على كِتَابِ مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِهِ وَفُضَلَائِهِمُ الْمَشْهُورِينَ، مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ صلاة الجمعة سادس شوال منها عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ والله سبحانه وتعالى أعلم.
فَصْلٌ «فِي وَفَاةِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ محمود بن زنكي بن آقسنقر التُّرْكِيِّ السَّلْجُوقِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَذِكْرُ شَيْءٍ من سيرته العادلة الْكَامِلَةِ»
هُوَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ نُورُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْمَلِكِ الْأَتَابِكِ قَسِيمِ الدَّوْلَةِ عِمَادِ الدِّينِ أَبِي سَعِيدٍ زَنْكِيٍّ الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيدِ بن الملك آقسنقر الاتابك الملقب بقسيم الدولة التُّرْكِيُّ السَّلْجُوقِيُّ مَوْلَاهُمْ، وُلِدَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِحَلَبَ، وَنَشَأَ فِي كَفَالَةِ وَالِدِهِ صَاحِبِ حَلَبَ وَالْمَوْصِلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ البلدان الكثيرة الكبيرة، وتعلم القرآن