القيود عليه، فكبر الحجاج وكبر أصحابه وأشار جحدر يقول:
يا جمل إنك لو رأيت كريهتى … في يوم هول مسدف وعجاج
وتقدمى لليث أرسف موثقا … كيما أساوره على الأخراج
شثن براثنه كأن نيوبه … زرق المعاول أو شباة زجاج
يسمو بناظرتين تحسب فيهما … لهبا أحدّهما شعاع سراج
وكأنما خيطت عليه عباءة … برقاء أو خرقا من الديباج
لعلمت أنى ذو حفاظ ماجد … من نسل أقوام ذوى أبراج
فعند ذلك خيره الحجاج إن شاء أقام عنده، وإن شاء انطلق إلى بلاده، فاختار المقام عند الحجاج، فأحسن جائزته وأعطاه أموالا. وأنكر يوما أن يكون الحسين من ذرية رسول الله ﷺ لأنه ابن بنته، فقال له يحيى بن يعمر: كذبت! فقال الحجاج: لتأتينى على ما قلت ببينة من كتاب الله أو لأضربن عنقك، فقال قال الله ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ﴾ إلى قوله ﴿وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى﴾ فعيسى من ذرية إبراهيم، وهو إنما ينسب إلى أمه مريم، والحسين ابن بنت رسول الله ﷺ.
فقال الحجاج: صدقت، ونفاه إلى خراسان.
وقد كان الحجاج مع فصاحته وبلاغته يلحن في حروف من القرآن أنكرها يحيى بن يعمر، منها أنه كان يبدل إن المكسورة بان المفتوحة وعكسه، وكان يقرأ ﴿قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ﴾ إلى قوله ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ فيقرأها برفع أحب. وقال الأصمعي وغيره: كتب عبد الملك إلى الحجاج يسأله عن أمس واليوم وغد، فقال للرسول: أكان خويلد بن يزيد بن معاوية عنده؟ قال: نعم! فكتب الحجاج إلى عبد الملك: أما أمس فأجل، وأما اليوم فعمل، وأما غدا فأمل. وقال ابن دريد عن أبى حاتم السجستاني عن أبى عبيدة معمر بن المثنى. قال: لما قتل الحجاج ابن الأشعث وصفت له العراق، وسع على الناس في العطاء، فكتب إليه عبد الملك: أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين أنك تنفق في اليوم ما لا ينفقه أمير المؤمنين في الأسبوع وتنفق في الأسبوع ما لا ينفقه أمير المؤمنين في الشهر، ثم قال منشدا:
عليك بتقوى الله في الأمر كله … وكن يا عبيد الله تخشى وتضرع
ووفر خراج المسلمين وفيأهم … وكن لهم حصنا تجير وتمنع
فكتب إليه الحجاج:
لعمري لقد جاء الرسول بكتبكم … قراطيس تملا ثم تطوى فتطبع
كتاب أتانى فيه لين وغلظة … وذكرت والذكرى لذي اللب تنفع