وكانت أمور تعتريني كثيرة … فأرضخ أو اعتل حينا فأمنع
إذا كنت سوطا من عذاب عليهم … ولم يك عندي بالمنافع مطمع
أيرضى بذلك الناس أو يسخطونه … أم احمد فيهم أم ألام فأقذع
وكان بلاد جئتها حين جئتها … بها كل نيران العداوة تلمع
فقاسيت منها ما علمت ولم أزل … أصارع حتى كدت بالموت أصرع
وكم أرجفوا من رجفة قد سمعتها … ولو كان غيري طار مما يروع
وكنت إذا هموا بإحدى نهاتهم … حسرت لهم رأسي ولا أتقنع
فلو لم يذد عنى صناديد منهم … تقسم أعضائى ذئاب وأضبع
قال: فكتب إليه عبد الملك: أن اعمل برأيك. وقال الثوري عن محمد بن المستورد الجمحيّ قال: أتى الحجاج بسارق فقال له: لقد كنت غنيا أن تكسب جناية فيؤتى بك إلى الحاكم فيبطل عليك عضوا من أعضائك، فقال الرجل: إذا قلّ ذات اليد سخت النفس بالمتالف. قال: صدقت والله لو كان حسن اعتذار يبطل حدا لكنت له موضعا، يا غلام سيف صارم ورجل قاطع، فقطع يده. وقال أبو بكر بن مجاهد عن محمد بن الجهم عن الفراء قال: تغدى الحجاج يوما مع الوليد بن عبد الملك فلما انقضى غداؤهما دعاه الوليد إلى شرب النبيذ (١) فقال: يا أمير المؤمنين الحلال ما أحللت، ولكنى أنهى عنه أهل العراق وأهل عملي، وأكره أن أخالف قول العبد الصالح ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ﴾. وقال عمر بن شبة عن أشياخه قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج يعتب عليه في إسرافه في صرف الأموال، وسفك الدماء، ويقول: إنما المال مال الله ونحن خزّانه، وسيان منع حق أو إعطاء باطل، وكتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات: -
إذ أنت لم تترك أمورا كرهتها … وتطلب رضائي في الّذي أنا طالبه
وتخشى الّذي يخشاه مثلك هاربا … إلى الله منه ضيع الدر حالبه
فان تر منى غفلة قرشية … فيا ربما قد غص بالماء شاربه
وإن تر منى وثبة أموية … فهذا وهذا كله أنا صاحبه
فلا تعد ما يأتيك منى فان تعد … تقم فاعلمن يوما عليك نوادبه
فلما قرأه الحجاج كتب: أما بعد فقد جاءني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه سرفى في الأموال،
(١) ما يسمى في هذا العصر نبيذا هو الخمر المحض، وهو غير ما كان يسميه سلفنا نبيذا. والنبيذ عندهم هو التمر أو الزبيب يترك عليه الماء ويسمونه بعد ذلك نبيذا سواء أسكر أو لم يسكر. وفي كلتا الحالتين فإنه أشبه بعصير القصب اليوم إن لم يكن دونه.