الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال نزل قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ يوم الجمعة ورسول الله ﷺ واقف بعرفة. وروينا من طريق جيد: أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل ما يبكيك؟ فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان، وكأنه استشعر وفاة النبي ﷺ وقد أشار ﵇ الى ذلك فيما
رواه مسلم من حديث ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر: أن رسول الله ﷺ وقف عند جمرة العقبة وقال لنا. خذوا عنى مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا. وقدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الرَّبَذيّ عن صدقة بن يسار عن ابن عمر. قال: نزلت هذه السورة ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾ في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله ﷺ أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم وهكذا قال عبد الله بن عباس ﵄ لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه حين لامه بعضهم على تقديمه واجلاسه له مع مشايخ بدر. فقال: إنه من حيث تعلمون ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاِسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً﴾ فقالوا أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره فقال ما تقول يا ابن عباس؟ فقال هو أجل رسول الله ﷺ نعى اليه. فقال: عمر لا أعلم منها الا ما تعلم. وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه وان كان لا ينافي ما فسر به الصحابة ﵃. وكذلك ما
رواه الامام احمد حدثنا وكيع عن ابن أبى ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبى هريرة. أن رسول الله ﷺ لما حج بنسائه قال:«إنما هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر». تفرد به احمد من هذا الوجه. وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد.
والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته ﵇ في هذه السنة ونحن نذكر ذلك ونورد ما روى فيما يتعلق به من الأحاديث والآثار وبالله المستعان ولنقدم على ذلك ما ذكره الأئمة محمد بن إسحاق بن يسار وأبو جعفر بن جرير وأبو بكر البيهقي في هذا الموضع قبل الوفاة من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله الى الملوك فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا ثم نتبعه بالوفاة.
ففي الصحيحين من حديث أبى إسحاق السبيعي عن زيد بن أرقم: أن رسول الله ﷺ غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعد ما هاجر حجة الوداع ولم يحج بعدها قال أبو إسحاق وواحدة بمكة كذا قال أبو إسحاق السبيعي. وقد قال زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: أن رسول الله ﷺ حج ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وواحدة بعد ما هاجر