وَتَبَاشَرُوا، فَإِنِّي لَكُمْ بِكُلِّ مَا تَأْمَلُونَ وَتُحِبُّونَ كَفِيلٌ. فَالْتَفَّ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الشِّيعَةِ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنْهُمْ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مَعَ سُلَيْمَانَ إِلَى النُّخَيْلَةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَشَبَثُ بن ربعي وغيرهما لعبد الله بن زياد نَائِبِ الْكُوفَةِ: إِنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ أَشَدُّ عَلَيْكَمْ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، فَبَعَثَ إليه الشرط فأحاطوا بداره فأخذ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ مُقَيَّدًا، وَقِيلَ بِغَيْرِ قَيْدٍ، فَأَقَامَ بِهِ مُدَّةً وَمَرِضَ فِيهِ. قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ إِلَيْهِ مَعَ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَزْدِيِّ نَعُودُهُ وَنَتَعَاهَدُهُ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَا وَرَبِّ الْبِحَارِ، وَالنَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ، وَالْمَهَامِهِ وَالْقِفَارِ، وَالْمَلَائِكَةِ الأبرار، والمصلين الأخيار، لأقتلن كل جبار، بكل لدن جثّار خطار، ومهند بتار، بجند من الأخيار، وجموع من الأنصار، ليسوا بميل الأغمار، وَلَا بِعُزَّلٍ أَشْرَارٍ، حَتَّى إِذَا أَقَمْتُ عَمُودَ الدِّينِ، وَجَبَرْتُ صَدْعَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَفَيْتُ غَلِيلَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَدْرَكْتُ ثَأْرَ أَوْلَادِ النَّبِيِّينَ، لَمْ أَبْكِ عَلَى زَوَالِ الدُّنْيَا، وَلَمْ أَحْفِلْ بِالْمَوْتِ إِذَا دَنَا. قَالَ: وَكَانَ كُلَّمَا أَتَيْنَاهُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ يُرَدِّدُ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ حَتَّى خَرَجَ.
ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزبير
قال ابن جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الكعبة، وذلك لأنه مال جدارها من رمى المنجنيق فهدم الجدار حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْحَجَرَ الأسود في تابوت في سرق مِنْ حَرِيرٍ، وَادَّخَرَ مَا كَانَ فِي الْكَعْبَةِ مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ وَطِيبٍ، عِنْدَ الْخَزَّانِ حَتَّى أَعَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِنَاءَهَا عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أن يبنيها عليه من الشكل، وذلك كما ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا الْحَجَرَ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُونَ مِنَ الْآخَرِ، وَلَأَلْصَقْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ قَوْمَكِ رَفَعُوا بَابَهَا لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا» . فَبَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
ثُمَّ لَمَّا غَلَبَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي سَنَةِ ثلاث وسبعين كما سيأتي، هَدَمَ الْحَائِطَ الشَّمَالِيَّ وَأَخْرَجَ الْحَجَرَ كَمَا كَانَ أولا، وأدخل الحجارة التي هدمها في جوف الكعبة فرصها فيه، فَارْتَفَعَ الْبَابُ وَسَدَّ الْغَرْبِيَّ، وَتِلْكَ آثَارُهُ إِلَى الْآنَ، وَذَلِكَ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ، فَلَمَّا بلغه الحديث قَالَ: وَدِدْنَا أَنَّا تَرَكْنَاهُ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذلك. وقد هم ابن المنصور المهدي أَنْ يُعِيدَهَا عَلَى مَا بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَاسْتَشَارَ الْإِمَامَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ، فقال: إني أكره أن يتخذها الملوك لعبة، - يَعْنِي يَتَلَاعَبُونَ فِي بِنَائِهَا بِحَسْبِ آرَائِهِمْ- فَهَذَا يَرَى رَأْيَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَذَا يَرَى رَأْيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute