عنه - فتسارع الصبيان إلى ذلك، فلما رآهم مسرعين قال: لعله حق فتبعهم. وقال له رجل: ما بلغ من طمعك؟ فقال: ما زفت عروس بالمدينة إلا رجوت أن تزف إلى فأكسح داري وأنظف بابي وأكنس بيتي. واجتاز يوما برجل يصنع طبقا من قش فقال له: زد فيه طورا أو طورين لعله أن يهدى يوما لنا فيه هدية. وروى ابن عساكر أن أشعب غنى يوما لسالم بن عبد الله بن عمر قول بعض الشعراء:
مضين بها والبدر يشبه وجهها … مطهرة الأثواب والدين وافر
لها حسب زاك وعرض مهذب … وعن كل مكروه من الأمر زاجر
من الخفرات البيض لم تلق ريبة … ولم يستملها عن تقى الله شاعر
فقال له سالم: أحسنت فزدنا. فغناه:
ألمت بنا والليل داج كأنه … جناح غراب عنه قد نفض القطرا
فقلت أعطار ثوى في رحالنا … وما علمت ليلى سوى ريحها عطرا
فقال له: أحسنت ولولا أن يتحدث الناس لأجزلت لك الجائزة، وإنك من الأمر لبمكان.
وفيها توفى جعفر بن برقان، والحكم بن أبان، وعبد الرحمن بن زيد بن جابر، وقرة بن خالد، وأبو عمرو بن العلاء أحد أئمة القراء، واسمه كنيته، وقيل اسمه ريان والصحيح الأول.
وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري، وقيل غير ذلك في نسبه، كان علامة زمانه في الفقه والنحو وعلم القراءات، وكان من كبار العلماء العاملين، يقال إنه كتب ملء بيت من كلام العرب، ثم تزهد فأحرق ذلك كله، ثم راجع الأمر الأول فلم يكن عنده إلا ما كان يحفظه من كلام العرب، وكان قد لقي خلقا كثيرا من أعراب الجاهلية، كان مقدما أيام الحسن البصري ومن بعده. ومن اختياراته في العربية قوله في تفسيره الغرة في الجنين: إنها لا يقبل فيها إلا أبيض غلاما كان أو جارية. فهم ذلك من قوله ﵇:
«غرة عبد أو أمة» ولو أريد أي عبد كان أو جارية لما قيده بالغرة، وإنما الغرة البياض. قال ابن خلكان: وهذا غريب ولا أعلم هل يوافقه قول أحد من الأئمة المجتهدين أم لا. وذكر عنه أنه كان إذا دخل شهر رمضان لا ينشد بيتا من الشعر حتى ينسلخ، وإنما كان يقرأ القرآن وأنه كان يشترى له كل يوم كوزا جديدا وريحانا طريا، وقد صحبه الأصمعي نحوا من عشر سنين.
كانت وفاته في هذه السنة، وقيل في سنة ست وخمسين، وقيل تسع وخمسين فالله أعلم. وقد قارب التسعين، وقيل إنه جاوزها فالله أعلم، وقبره بالشام وقيل بالكوفة فالله أعلم.
[وقد روى ابن عساكر في ترجمة صالح بن على بن عبد الله بن العباس عن أبيه عن جده عبد الله]