وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ. فَأُقِيمَ ابْنُهُ الصَّغِيرُ مَكَانَهُ. ثُمَّ قُتِلَ وَتَشَتَّتَ شَمْلُ الْبَيْتِ الْأَتَابَكِيِّ، وَتَغَلَّبَ عَلَى الْأُمُورِ بَدْرُ الدِّينِ لؤلؤ غلام أبيه. وفيها كان عود الوزير صفى الدين عبد الله ابن على بن شكر من بلاد الشرق بعد موت العادل، فعمل فيه علم الدين مقامة بالغ في مدحه فيها، وقد ذكروا أنه كان متواضعا يحب الفقراء والفقهاء، وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّاسِ إِذَا اجْتَازَ بِهِمْ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي أُبَّهَةِ وِزَارَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ نُكِبَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَامِلَ هُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ طَرْدِهِ وَإِبْعَادِهِ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْمُعَظَّمِ فِيهِ، فَاحْتَاطَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، وعزل ابنه عن النظر من الدواوين، وَقَدْ كَانَ يَنُوبُ عَنْ أَبِيهِ فِي مُدَّةِ غَيْبَتِهِ. وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا أَعَادَ الْمُعَظَّمُ ضَمَانَ الْقِيَانِ وَالْخُمُورِ وَالْمُغَنِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ الَّتِي كَانَ أَبُوهُ قَدْ أَبْطَلَهَا، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَجَاسَرُ أَنْ يَنْقُلَ ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الْأَمْوَالِ عَلَى الْجُنْدِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى النَّفَقَاتِ فِي قتال الفرنج. وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور، فان هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال، فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول، كما في الأثر «إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني» . وهذا ظاهر لا يخفى على فطن.