للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودهماء العرب، فدخلت مكة بليل مسدف فأقمت حتى تعرى عنى قميص الليل فرفعت رأسي فإذا قباب مسامتة شعف الجبال، مضروبة بأنطاع الطائف وإذا جزر تنحر وأخرى تساق، وإذا أكلة وحثثة على الطهاة يقولون: الا عجلوا الا عجلوا، وإذا رجل يجهر على نشز من الأرض، ينادى يا وفد الله ميلوا إلى الغداء. وأنيسان على مدرجة يقول: يا وفد الله من طعم فليرح إلى العشاء، فجهرنى ما رأيت فأقبلت أريد عميد القوم، فعرف رجل الّذي بى، فقال أمامك، وإذا شيخ كأن في خديه الأساريع، وكأن الشعرى توقد من جبينه، قد لاث على رأسه عمامة سوداء قد أبرز من ملئها جمة فينانة كأنها سماسم.

قال في بعض الروايات تحته كرسي سماسم (١) ومن دونها نمرقة بيده قضيب متخصر به حوله مشايخ جلس نواكس الأذقان ما منهم أحد يفيض بكلمة. وقد كان نمى إلى خبر من أخبار الشام أن النبي الأمي هذا أوان نجومه، فلما رأيته ظننته ذلك. فقلت السلام عليك يا رسول الله. فقال: مه مه، كلا وكأن قد وليتني إياه فقلت من هذا الشيخ؟ فقالوا هذا أبو نضلة، هذا هاشم بن عبد مناف، فوليت وأنا أقول هذا والله المجد لامجد آل جفنة - يعنى ملوك عرب الشام من غسان كان يقال لهم آل جفنة -. وهذه الوظيفة التي حكاها عن هاشم هي الرفادة يعنى إطعام الحجيج زمن الموسم.

وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن احمد بن أبى يحيى حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا على بن قتيبة الخراساني حدثنا خالد بن الياس عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى الجهم عن أبيه عن جده. قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش وعلى مطرف خز وجمتي تضرب منكبى فلما نظرت إليّ عرفت في وجهي التغيير وأنا يومئذ سيد قومي فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر شيء؟ فقلت لها بلى! وكان لا يكلمها أحد من الناس حتى يقبل يدها اليمنى، ثم يضع يده على أم رأسها ثم يذكر حاجته ولم أفعل لأني كبير قومي. فجلست فقلت إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة تنبت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا. ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا ساعة تخفى وساعة تزهر، ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها. فإذا دنوا منها أخرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا فيكسر أظهرهم (٢) ويقلع أعينهم. فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فمنعني الشاب فقلت لمن النصيب؟ فقال النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك اليها. فانتبهت مذعورا فزعا فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس.


(١) سماسم: الأولى عيدان السمسم. والثانية خشب أسود كالأبنوس
(٢) الّذي في الدلائل: أضلعهم

<<  <  ج: ص:  >  >>