للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خذوه فتسلموه فقتلوه، ولو طلبوا منى ملكي فداء له لدفعته إليهم، ولكن استحيت من الله أن أعارض شرعه بحظ نفسي رحمه الله تعالى وعفا عنه.

ولما ملك دمشق في سنة ست وعشرين وستمائة نادى مناديه فيها أن لا يشتغل أحد من الفقهاء بشيء من العلوم سوى التفسير والحديث والفقه، ومن اشتغل بالمنطق وعلوم الأوائل نفى من البلد.

وكان البلد به في غاية الأمن والعدل، وكثرة الصدقات والخيرات، كانت القلعة لا تغلق في ليالي رمضان كلها، وصحون الحلاوات خارجة منها إلى الجامع والخوانق والربط، والصالحية وإلى الصالحين والفقراء والرؤساء وغيرهم، وكان أكثر جلوسه بمسجد أبى الدرداء الّذي جدده وزخرفه بالقلعة، وكان ميمون النقيبة ما كسرت له راية قط، وقد استدعى الزبيدي من بغداد حتى سمع هو والناس عليه صحيح البخاري وغيره، وكان له ميل إلى الحديث وأهله، ولما توفى رآه بعض الناس وعليه ثياب خضر وهو يطير مع جماعة من الصالحين، فقال: ما هذا وقد كنت تعانى الشراب في الدنيا؟ فقال ذاك البدن الّذي كنا نفعل به ذاك عندكم، وهذه الروح التي كنا نحب بها هؤلاء فهي معهم، ولقد صدق ،

قال رسول الله «المرء مع من أحب» وقد كان أوصى بالملك من بعده لأخيه الصالح إسماعيل، فلما توفى أخوه ركب في أبهة الملك ومشى الناس بين يديه، وركب إلى جانبه صاحب حمص وعز الدين أيبك المعظمي حامل الغاشية على رأسه، ثم إنه صادر جماعة من الدماشقة الذين قيل عنهم إنهم مع الكامل، منهم العالم تعاسيف وأولاد ابن مزهر وحبسهم ببصرى، وأطلق الحريري من قلعة عزاز، وشرط عليه أن لا يدخل دمشق، ثم قدم الكامل من مصر وانضاف اليه الناصر داود صاحب الكرك ونابلس والقدس، فحاصروا دمشق حصارا شديدا، وقد حصنها الصالح إسماعيل، وقطع المياه ورد الكامل ماء بردي إلى ثورا، وأحرقت العقبية وقصر حجاج، فافتقر خلق كثير واحترق آخرون، وجرت خطوب طويلة، ثم آل الحال في آخر جمادى الأولى إلى أن سلم الصالح إسماعيل دمشق إلى أخيه الكامل، على أن له بعلبكّ وبصرى، وسكن الأمر، وكان الصلح بينهما على يدي القاضي محيي الدين يوسف بن الشيخ أبى الفرج بن الجوزي، اتفق أنه كان بدمشق قد قدم في رسلية من جهة الخليفة إلى دمشق فجزاه الله تعالى خيرا. ودخل الكامل دمشق وأطلق الفلك بن المسيري من سجن الحيات بالقلعة الّذي كان أودعه فيه الأشرف، ونقل الأشرف إلى تربته، وأمر الكامل في يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة أئمة الجامع أن لا يصلى أحد منهم المغرب سوى الامام الكبير، لما كان يقع من التشويش والاختلاف بسبب اجتماعهم في وقت واحد، ولنعم ما فعل . وقد فعل هذا في زماننا في صلاة التراويح، اجتمع الناس على قارئ واحد وهو الامام الكبير في المحراب المقدم عند المنبر، ولم يبق به إمام يومئذ سوى الّذي بالحلبية عند مشهد على

<<  <  ج: ص:  >  >>