للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتراه إسهال مفرط فخارت قوته فشرع في التهيؤ للقاء الله ﷿، فأعتق مائتي غلام وجارية، ووقف دار فروخ شاه التي يقال لها دار السعادة، وبستانه بالنيرب على ابنيه، وتصدق بأموال جزيلة، وأحضر له كفنا كان قد أعده من ملابس الفقراء والمشايخ الذين لقيهم من الصالحين. وقد كان رحمه الله تعالى شهما شجاعا كريما جوادا لأهل العلم، لا سيما أهل الحديث، ومقاربيته الصالحة، وقد بنى لهم دار حديث بالسفح وبالمدينة للشافعية أخرى، وجعل فيها نعل النبي الّذي ما زال حريصا على طلبه من النظام ابن أبى الحديد التاجر، وقد كان النظام ضنينا به فعزم الأشرف أن يأخذ منه قطعة، ثم ترك ذلك خوفا من أن يذهب بالكلية، فقدر الله موت ابن أبى الحديد بدمشق فأوصى للملك الأشرف به، فجعله الأشرف بدار الحديث، ونقل إليها كتبا سنية نفيسة، وبنى جامع التوبة بالعقبية، وقد كان خانا للزنجارى فيه من المنكرات شيء كثير، وبنى مسجد القصب وجامع جراح ومسجد دار السعادة، وقد كان مولده في سنة ست وسبعين وخمسمائة، ونشأ بالقدس الشريف بكفالة الأمير فخر الدين عثمان الزنجاري، وكان أبوه يحبه، وكذلك أخوه المعظم ثم استنابه أبوه على مدن كثيرة بالجزيرة منها الرها وحران، ثم اتسعت مملكته حين ملك خلاط، وكان من أعف الناس وأحسنهم سيرة وسريرة، لا يعرف غير نسائه وسراريه، مع أنه قد كان يعاني الشراب، وهذا من أعجب الأمور. حكى السبط عنه قال: كنت يوما بهذه المنظرة من خلاط إذ دخل الخادم فقال: بالباب امرأة تستأذن، فدخلت فإذا صورة لم أر أحسن منها، وإذا هي ابنة الملك الّذي كان بخلاط قبلي، فذكرت أن الحاجب عليّ قد استحوذ على قرية لها، وأنها قد احتاجت إلى بيوت الكرى، وأنها إنما تتقوت من عمل النقوش للنساء، فأمرت برد ضيعتها إليها وأمرت لها بدار تسكنها، وقد كنت قمت لها حين دخلت وأجلستها بين يدي وأمرتها بستر وجهها حين أسفرت عنه، ومعها عجوز، فحين قضت شغلها قلت لها انهضى على اسم الله تعالى، فقالت العجوز: يا خوند إنما جاءت لتحظى بخدمتك هذه الليلة، فقلت: معاذ الله لا يكون هذا، واستحضرت في ذهني ابنتي ربما يصيبها نظير ما أصاب هذه، فقامت وهي تقول بالأرمني: سترك الله مثل ما سترتني، وقلت لها:

مهما كان من حاجة فانهيها إلى أقضها لك، فدعت لي وانصرفت، فقالت لي نفسي: في الحلال مندوحة عن الحرام، فتزوجها، فقلت: لا والله لا كان هذا أبدا، أين الحياء والكرم والمروءة؟ قال:

ومات مملوك من مماليكي وترك ولدا ليس يكون في الناس بتلك البلاد أحسن شبابا، ولا أحلى شكلا منه، فأحببته وقربته، وكان من لا يفهم أمرى يتهمني به، فاتفق أنه عدا على إنسان فضربه حتى قتله، فاشتكى عليه إلى أولياء المقتول، فقلت اثبتوا أنه قتله، فأثبتوا ذلك فحاجفت عنه مماليكي وأرادوا إرضاءهم بعشر ديات فلم يقبلوا، ووقفوا لي في الطريق وقالوا قد أثبتنا أنه قتله، فقلت

<<  <  ج: ص:  >  >>