للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفدت على عبد الملك بن مروان تشكو إليه ظلامة فقال: لا أقضيها لك حتى تنشدينى شيئا من شعره، فقالت: لا أحفظ لكثير شعرا، لكنى سمعتهم يحكون عنه أنه قال فىّ هذه الأبيات:

قضى كل ذي دين علمت غريمه … وعزة ممطول معنى غريمها

فقال: ليس عن هذا أسألك ولكن أنشدينى قوله:

وقد زعمت أنى تغيرت بعدها … ومن ذا الّذي يا عز لا يتغير

تغير جسمي والمحبة كالذي … عهدت ولم يخبر بذاك مخبر

قال فاستحيت وقالت: أما هذا فلا أحفظه ولكن سمعتهم يحكونه عنه، ولكن أحفظ له قوله:

كأنى أنادى صخرة حين أعرضت … من الظلم لو تمشى بها العصم زلت

صفوح فما تلقاك إلا بخيلة … ومن مل منها ذلك الوصل ملت

قال فقضى لها حاجتها وردها ورد عليها ظلامتها وقال: أدخلوها الحرم ليتعلموا من أدبها. وروى عن بعض نساء العرب قالت: اجتازت بنا عزة فاجتمع نساء الحاضر إليها لينظرن حسنها، فإذا هي حميراء حلوة لطيفة، فلم تقع من النساء بذاك الموقع حتى تكلمت فإذا هي أبرع النساء وأحلاهن حديثا، فما بقي في أعيننا امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة. وذكر الأصمعي عن سفيان بن عيينة قال: دخلت عزة على سكينة بنت الحسين فقالت لها: إني أسألك عن شيء فاصدقيني، ما الّذي أراد كثير في قوله لك:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه … وعزة ممطول معنى غريمها

فقالت: كنت وعدته قبلة فمطلته بها، فقالت: أنجزيها له وإثمها على، وقد كانت سكينة بنت الحسين من أحسن النساء حتى كان يضرب بحسنها المثل. وروى أن عبد الملك بن مروان أراد أن يزوج كثيرا من عزة فأبت عليه وقالت: يا أمير المؤمنين أبعد ما فضحني بين الناس وشهرني في العرب؟ وامتنعت من ذلك كل الامتناع، ذكره ابن عساكر. وروى أنها اجتازت مرة بكثير وهو لا يعرفها فتنكرت عليه وأرادت أن تختبر ما عنده، فتعرض لها فقالت: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا لك الفداء لو أن عزة أمة لو لوهبتها لك، فقالت: ويحك لا تفعل ألست القائل:

إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا … أبينا وقلنا الحاجبية أول؟

فقال: بأبي أنت وأمى، أقصرى عن ذكرها واسمعي ما أقول:

هل وصل عزة إلا وصل غانية … في وصل غانية من وصلها بدل

قالت: فهل لك في المجالسة؟ قال: ومن لي بذلك؟ قالت: فكيف بما قلت في عزة؟ قال:

أقلبه فيتحول لك، قال فسفرت عن وجهها وقالت: أغدرا وتناكثا يا فاسق، وإنك لهاهنا يا عدو

<<  <  ج: ص:  >  >>