للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في طلب الأمان ووضع الحرب بينه وبينهم ثلاث سنين، وعلى أن يعيد لهم عسقلان ويهب له كنيسة بيت المقدس وهي القمامة، وأن يمكن النصارى من زيارتها وحجها بلا شيء، فامتنع السلطان من إعادة عسقلان وأطلق لهم قمامة، وفرض على الزوار مالا يؤخذ من كل منهم، فامتنع الانكليز إلا أن تعادلهم عسقلان، ويعمر سورها كما كانت، فصمم السلطان على عدم الاجابة. ثم ركب السلطان حتى وافى يافا فحاصرها حصارا شديدا، فافتتحها وأخذوا الأمان لكبيرها وصغيرها، فبينما هم كذلك إذ أشرفت عليهم مراكب الانكليز على وجه البحر، فقويت رءوسهم واستعصت نفوسهم، فهجم اللعين فاستعاد البلد وقتل من تأخر بها من المسلمين صبرا بين يديه، وتقهقر السلطان عن منزلة الحصار إلى ما وراءها خوفا على الجيش من معرة الفرنج، فجعل ملك الانكليز يتعجب من شدة سطوة السلطان، وكيف فتح مثل هذا البلد العظيم في يومين، وغيره لا يمكنه فتحه في عامين، ولكن ما ظننت أنه مع شهامته وصرامته يتأخر من منزلته بمجرد قدومى، وأنا ومن معى لم تخرج من البحر إلا جرائد بلا سلاح، ثم ألح في طلب الصلح وأن تكون عسقلان داخلة في صلحهم، فامتنع السلطان، ثم إن السلطان كبس في تلك الليالي الانكليز وهو في سبعة عشر مقاتلا، وحوله قليل من الرجالة فأكب بجيشه حوله وحصره حصرا لم يبق معه نجاة، لو صمم معه الجيش، ولكنهم نكلوا كلهم عن الحملة، فلا قوة إلا بالله، وجعل السلطان يحرضهم غاية التحريض، فكلهم يمتنع كما يمتنع المريض من شرب الدواء.

هذا وملك الانكليز قد ركب في أصحابه وأخذ عدة قتاله، وأهبة نزاله، واستعرض الميمنة إلى آخر الميسرة، يعنى ميمنة المسلمين وميسرتهم، فلم يتقدم إليه أحد من الفرسان، ولا نهره بطل من الشجعان، فعند ذلك كر السلطان راجعا، وقد أحزنه أنه لم ير من الجيش مطيعا، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. ولو أن له بهم قوة لما ترك أحدا منهم يتناول من بيت المال فلسا. ثم حصل لملك الانكليز بعد ذلك مرض شديد، فبعث إلى السلطان يطلب فاكهة وثلجا فأمده بذلك من باب الكرم، ثم عوفي لعنه الله وتكررت الرسل منه يطلب من السلطان المصالحة لكثرة شوقه إلى أولاده وبلاده، وطاوع السلطان على ما يقول وترك طلب عسقلان، ورضى بما رسم به السلطان، وكتب كتاب الصلح بينهما في سابع عشر شعبان، وأكدت العهود والمواثيق من كل ملك من ملوكهم، وحلف الأمراء من المسلمين وكتبوا خطوطهم، واكتفى من السلطان بالقول المجرد كما جرت به عادة السلاطين، وفرح كل من الفريقين فرحا شديدا، وأظهروا سرورا كثيرا، ووقعت الهدنة على وضع الحرب ثلاثين سنة وستة أشهر، وعلى أن يقرهم على ما بأيديهم من البلاد الساحلية، وللمسلمين ما يقابلها من البلاد الجبلية، وما بينهما من المعاملات تقسم على المناصفة، وأرسل السلطان مائة نقاب صحبة

<<  <  ج: ص:  >  >>