مضى منها إلى أرمينية فكان من أمره ما سنذكره. وفيها سار الفضل بن يحيى إلى خراسان فأحسن السيرة فيها وبنى فيها الربط والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جندا من العجم سماهم العباسية، وجعل ولاءهم له، وكانوا نحوا من خمسمائة ألف، وبعث منهم نحوا من عشرين ألفا إلى بغداد، فكانوا يعرفون بها بالكرمينية، وفي ذلك يقول مروان بن أبى حفصة:
ما الفضل إلا شهاب لا أفول له … عند الحروب إذا ما تأفل الشهب
حام على ملك قوم غرّ سهمهم … من الوراثة في أيديهم سبب
أمست يد لبني ساقى الحجيج بها … كتائب ما لها في غيرهم أرب
كتائب لبني العباس قد عرفت … ما ألّف الفضل منها العجم والعرب
أثبت خمس مئين في عدادهم … من الألوف التي أحصت لها الكتب
يقارعون عن القوم الذين هم … أولى بأحمد في الفرقان إن نسبوا
إن الجواد ابن يحيى الفضل لاورق … يبقى على جود كفيه ولا ذهب
ما مر يوم له مذ شد مئزره … إلا تمول أقوام بما يهب
كم غاية في الندى والبأس أحرزها … للطالبين مداها دونها تعب
يعطى النهى حين لا يعطى الجواد ولا … ينبو إذا سلت الهندية القضب
ولا الرضى والرضى لله غايته … إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب
قد فاض عرفك حتى ما يعادله … غيث مغيث ولا بحر له حدب
وكان قد أنشده قبل خروجه إلى خراسان:
ألم تر أن الجود من يد آدم … تحدر حتى صار في راحة الفضل
إذا ما أبو العباس سحت سماؤه … فيا لك من هطل ويا لك من وبل
وقال فيه أيضا:
إذا أم طفل راعها جوع طفلها … دعته باسم الفضل فاعتصم الطفل
ليحيى بك الإسلام إنك عزه … وإنك من قوم صغيرهم كهل
قال فأمر له بمائة ألف درهم. ذكره ابن جرير. وقال سلم الخاسر فيهم أيضا:
وكيف تخاف من بؤس بدار … يجاورها (١) البرامكة البحور
وقوم منهم الفضل بن يحيى … نفير ما يوازنه نفير
له يومان يوم ندي وبأس … كأن الدهر بينهما أسير
(١) في المصرية والطبري: تكنفها.