قال: فبلغ ذلك المهدي فأعطاه بدل كل درهم دينارا. وبالجملة فان للمهدي مآثر ومحاسن كثيرة، وقد كانت وفاته بماسبذان، كان قد خرج إليها ليبعث إلى ابنه الهادي ليحضر إليه من جرجان حتى يخلعه من ولاية العهد ويجعله بعد هارون الرشيد، فامتنع الهادي من ذلك، فركب المهدي إليه قاصدا إحضاره، فلما كان بماسبذان مات بها. وكان قد رأى في النوم وهو بقصره ببغداد - المسمى بقصر السلامة - كأن شيخا وقف بباب القصر، ويقال إنه سمع هاتفا يقول: -
كأنى بهذا القصر قد باد أهله … وأوحش منه ربعه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة … وملك إلى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه … تنادى عليه معولات حلائله
فما عاش بعدها إلا عشرا حتى مات. وروى أنه لما قال له الهاتف: -
كأنى بهذا القصر قد باد أهله … وقد درست أعلامه ومنازله
فأجابه المهدي:
كذاك أمور الناس يبلى جديدها … وكل فتى يوما ستبلى فعائله
فقال الهاتف:
تزود من الدنيا فإنك ميت … وإنك مسئول فما أنت قائله
فأجابه المهدي:
أقول بأن الله حق شهدته … وذلك قول ليس تحصى فضائله
فقال الهاتف:
تزود من الدنيا فإنك راحل … وقد أزف الأمر الّذي بك نازل
فأجابه المهدي:
متى ذاك خبرني هديت فاننى … سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله
فقال الهاتف:
تلبث ثلاثا بعد عشرين ليلة … إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قالوا: فلم يعش بعدها إلا تسعا وعشرين يوما حتى مات رحمه الله تعالى.
وقد ذكر ابن جرير اختلافا في سبب موته، فقيل إنه ساق خلف ظبى والكلاب بين يديه فدخل الظبي إلى خربة فدخلت الكلاب وراءه وجاء الفرس فحمل بمشواره فدخل الخربة فكسر ظهره، وكانت وفاته بسبب ذلك. وقيل إن بعض حظاياه بعثت إلى أخرى لبنا مسموما فمر الرسول بالمهديّ فأكل منه فمات. وقيل بل بعثت إليها بصينية فيها الكمثرى وفي أعلاها واحدة كبيرة مسمومة، وكان المهدي يعجبه الكمثرى، فمرت به الجارية ومعها تلك الصينية فأخذ التي في أعلاها فأكلها فمات من ساعته، فجعلت الحظية تندبه وتقول: وأمير المؤمنيناه، أردت أن يكون لي وحدي فقتلته بيدي. وكانت وفاته في المحرم من هذه السنة - أعنى سنة تسع وستين ومائة - وله من العمر ثلاث وأربعون سنة على المشهور، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وكسورا، ورثاه الشعراء بمراثي كثيرة قد ذكرها ابن جرير وابن عساكر.
وفيها توفى عبيد الله بن زياد، ونافع بن عمر الجمحيّ، ونافع بن أبى نعيم القاري.