وعن سوار - صاحب رحبة سوار - قال: انصرفت يوما من عند المهدي فجئت منزلي فوضع لي الغداء فلم تقبل نفسي عليه، فدخلت خلوتي لأنام في القائلة فلم يأخذنى نوم، فاستدعيت بعض حظاياي لأتلهى بها فلم تنبسط نفسي إليها، فنهضت فخرجت من المنزل وركبت بغلتي فما جاوزت الدار إلا قليلا حتى لقيني رجل ومعه ألفا درهم، فقلت: من أين هذه؟ فقال: من ملكك الجديد.
فاستصحبته معى وسرت في أزقة بغداد لأتشاغل عما أنا فيه من الضجر، فحانت صلاة العصر عند مسجد في بعض الحارات، فنزلت لأصلى فيه، فلما قضيت الصلاة إذا برجل أعمى قد أخذ بثيابى فقال: إن لي إليك حاجة، فقلت: وما حاجتك؟ فقال: إني رجل ضرير ولكنني لما شممت رائحة طيبك ظننت أنك من أهل النعمة والثروة، فأحببت أن أفضى إليك بحاجتي. فقلت: وما هي؟ فقال: إن هذا القصر الّذي تجاه المسجد كان لأبى فسافر منه إلى خراسان فباعه وأخذنى معه وأنا صغير، فافترقنا هناك وأصابنى أنا الضرر، فرجعنا إلى بغداد بعد أن مات أبى، فجئت إلى صاحب هذا القصر أطلب منه شيئا أتبلغ به لعلى أجتمع بسوار، فإنه كان صاحبا لأبى، فلعله أن يكون عنده سعة يجود منها على. فقلت: ومن أبوك؟ فذكر رجلا كان أصحب الناس إلى، فقلت: إني أنا سوار صاحب أبيك، وقد منعني الله يومك هذا النوم والقرار والأكل والراحة حتى أخرجني من منزلي لأجتمع بك، وأجلسنى بين يديك، وأمرت وكيلي فدفع له الألفي الدرهم التي معه، وقلت له: إذا كان الغد فأت منزلي في مكان كذا وكذا. وركبت فجئت دار الخلافة وقلت: ما أنحف المهدي الليلة في السمر بأغرب من هذا. فلما قصصت عليه القصة تعجب من ذلك جدا وأمر لذلك الأعمى بألفي دينار، وقال لي: هل عليك دين؟ قلت نعم! قال: كم؟ قلت: خمسون ألف دينار.
فسكت وحادثني ساعة ثم لما قمت من بين يديه فوصلت إلى المنزل إذا الحمالون قد سبقوني بخمسين ألف دينار وألفى دينار أخرى. فلما كان اليوم الثالث جاءني الأعمى فقلت: قد رزقني الله بسببك خيرا كثيرا، ودفعت له الألفي الدينار التي من عند الخليفة وزدته ألفى دينار من عندي أيضا.
ووقفت امرأة للمهدي فقالت: يا عصبة رسول الله اقض حاجتي. فقال المهدي: ما سمعتها من أحد غيرها، اقضوا حاجتها وأعطوها عشرة آلاف درهم. ودخل ابن الخياط على المهدي فامتدحه فأمر له بخمسين ألف درهم ففرقها ابن الخياط وأنشأ يقول: -
أخذت بكفى كفه أبتغي الغنى … ولم أدر أن الجود من كفه يعدى
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى … أفدت وأعدانى فبددت ما عندي