لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ مِنْ شَعْبَانَ، رَكِبَ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَزِيرُ وَالْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إِلَى خَيْمَةٍ عَظِيمَةٍ قد ضربت ظاهر القاهرة فجلسوا فيها، فَأَلْبَسَ الْخَلِيفَةُ السُّلْطَانَ بِيَدِهِ خِلْعَةً سَوْدَاءَ، وَطَوْقًا فِي عُنُقِهِ، وَقَيْدًا فِي رِجْلَيْهِ وَهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَصَعِدَ فَخْرُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ لُقْمَانَ وهو رئيس الكتاب منبرا فقرأ على الناس تقليد السلطان، وهو من إنشائه وبخط نَفْسِهِ، ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ بِهَذِهِ الْأُبَّهَةِ وَالْقَيْدُ فِي رِجْلَيْهِ، وَالطَّوْقُ فِي عُنُقِهِ، وَالْوَزِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ التَّقْلِيدُ وَالْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ فِي خِدْمَتِهِ مُشَاةٌ سِوَى الْوَزِيرِ، فَشَقَّ الْقَاهِرَةَ وَقَدْ زينت له، وكان يوما مشهودا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ هَذَا التَّقْلِيدَ بتمامه، وهو مطول والله أعلم.
ذكر ذهاب الخليفة إِلَى بَغْدَادَ
ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ طَلَبَ مِنَ السلطان أن يجهزه إلى بغداد، فرتب السلطان لَهُ جُنْدًا هَائِلَةً وَأَقَامَ لَهُ مِنْ كُلِّ ما ينبغي للخلفاء والملوك. ثم سار السلطان صحبته قاصدين دمشق، وكان سبب خروج السلطان من مصر إلى الشام، أن التركي كَمَا تَقَدَّمَ كَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى حَلَبَ، فأرسل إليه الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي كان قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى دِمَشْقَ فَطَرَدَهُ عَنْ حَلَبَ وتسلمها، وَأَقَامَ بِهَا نَائِبًا عَنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ لَمْ يزل التركي حتى استعادها منه وأخرجه منها هاربا، فاستناب الظاهر على مصر عز الدين أيد مر الحلبي وَجَعَلَ تَدْبِيرَ الْمَمْلَكَةِ إِلَى الْوَزِيرِ بَهَاءِ الدِّينِ بن الحنا، وأخذ ولده فخر الدين