للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حكاه ابن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير

وقال الامام احمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن دعلة سمعت عبد الله بن العباس يقول إن رجلا سأل النبي عن سبإ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض قال بل هو رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة. فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير. وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان وقد ذكرنا في التفسير أن فروة بن مسيك الغطيفى هو السائل عن ذلك كما استقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه هناك ولله الحمد.

والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن واحدهم تبع وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم كما كانت الأكاسرة ملوك الفرس يفعلون ذلك وكانت العرب تسمى كل من ملك اليمن مع الشحر وحضر موت تبعا كما يسمون من ملك الشام مع الجزيرة قيصر ومن ملك الفرس كسرى ومن ملك مصر فرعون ومن ملك الحبشة النجاشي ومن ملك الهند بطليموس وقد كان من جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس وقد قدمنا قصتها مع سليمان وقد كانوا في غبطة عظيمة وأرزاق دارة وثمار وزروع كثيرة وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الرشاد فلما بدلوا نعمة الله كفرا أحلوا قومهم دار البوار.

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه أرسل الله اليهم ثلاثة عشر نبيا وزعم السدي أنه أرسل إليهم اثنى عشر ألف نبي فالله أعلم. والمقصود أنهم لما عدلوا عن الهدى إلى الضلال وسجدوا للشمس من دون الله وكان ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضا واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم سيل العرم كما قال تعالى ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ﴾ ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم أن سد مأرب كان صنعته ان المياه تجرى من بين جبلين فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما ببناء محكم جدا حتى ارتفع الماء فحكم على اعالى الجبلين وغرسوا فيهما البساتين والأشجار المثمرة الأنيقة وزرعوا الزروع الكثيرة ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب وسلط اليه سبعين واديا يفد اليه وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء ومات ولم يكمل بناؤه فكملته حمير بعده وكان اتساعه فرسخا في فرسخ وكانوا في غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة حتى ذكر قتادة وغيره أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها فتمتلى من الثمار ما يتساقط فيه من نضجه وكثرته وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب المؤذية لصحة هوائهم وطيب فنائهم كما قال تعالى ﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاُشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ وكما قال تعالى ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>