الذين كانوا قد خرجوا بسببه، وقد اتفقوا هم وهو. قال فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامى وقلت تراءوا للجيوش الذين جاءوا حتى يروكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب. فحينئذ جاءت البرد من جهته بطلب الأمان ويجهرون بالإجابة إلى أن يركب في عشرة سروج، ويترك طلبه بالقطيفة، وذلك يوم الجمعة، فلما كان الليل ركبت أنا والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة، فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشابهم ورماحهم وكثيرا من سلاحهم، فتحققنا عند ذلك طاعته وإجابته، لكل ما رسم به، فلما أصبح يوم السبت وصى وركب في عشرة سروج وسار نحو الديار المصرية ولله الحمد والمنة.
وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجاب الّذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الّذي قدم بسببه من الديار المصرية، وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء، وتصدق بصدقات كثيرة في داره، وفرحوا به فرحا شديدا، وهو والناس يقولون إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظما مكرما على تقدمة ألف ووظائف هناك، فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين منه لم يفجأ الناس إلا وقد دخل القلعة المنصورة معتقلا بها مضيقا عليه، فتعجب الناس من هذه الترحة من تلك الفرحة فما شاء الله كان.
وفي يوم الأربعاء رابع ربيع الأول عقد مجلس بسبب الحاجب بالمشهد من الجامع. وفي يوم الخميس أحضر الحاجب من القلعة إلى دار الحديث، واجتمع القضاة هناك بسبب دعاوى يطلبون منه حق بعضهم، ثم لما كان يوم الاثنين تاسعه قدم من الديار المصرية مقدم البريدية بطلب الحاجب المذكور، فأخرج من القلعة السلطانية وجاء إلى نائب السلطنة فقبل قدمه، ثم خرج إلى منزله وركب من يومه قاصدا إلى الديار المصرية مكرما، وخرج بين يديه خلق من العوام والحرافيش يدعون له، وهذا أغرب ما أرخ، فهذا الرجل نالته شدة عظيمة بسبب سجنه بصرخد، ثم أفرج عنه، ثم حبس في قلعة دمشق ثم أفرج عنه، وذلك كله في نحو شهر.
ثم جاءت الأخبار في يوم الأحد ثانى عشر جمادى الأولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الاثنين، ولا حضر في دار العدل، ثم تحققت الاخبار بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب، ومجيء نائب حلب إلى دمشق، فتأسف كثير من الناس عليه لديانته وجوده وحسن معاملته لأهل العلم، ولكن حاشيته لا ينفذون أوامره، فتولد بسبب ذلك فساد عريض وحموا كثيرا من البلاد، فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك، وهاجت العشيرات ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الأمير على المارداني من دمشق في طلبه مستعجلا في أبهة النيابة، قاصدا إلى حلب المحروسة، وقد ضرب وطاقه بوطأة برزة، فخرج الناس للتفرج