للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَنْكِزَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَنَزَلَ دَارَ السَّعَادَةِ وَحَكَمَ بِهَا، وَفِيهِ صَرَامَةٌ وَشَهَامَةٌ.

وَفِي يَوْمِ الخميس الثالث والعشرين منه صلى على الأمير قَرَاسُنْقُرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ وَظَاهِرَ بَابِ النَّصْرِ، وَحَضَرَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَالْأُمَرَاءُ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِمَيْدَانِ الْحَصَا بالقرب من جامع الْكَرِيمِيِّ وَعُمِلَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ إشعال القناديل ولم يشعل الناس لما هُمْ فِيهِ مِنَ الْغَلَاءِ وَتَأَخُّرِ الْمَطَرِ وَقِلَّةِ الغلة، كُلُّ رَطْلٍ إِلَّا وُقِيَّةً بِدِرْهَمٍ، وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ، وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَالِيَةٌ، وَالزَّيْتُ كُلُّ رَطْلٍ بِأَرْبَعَةٍ وَنِصْفٍ، وَمَثْلُهُ الشَّيْرَجُ وَالصَّابُونُ وَالْأُرْزُ وَالْعَنْبَرِيسُ كُلُّ رَطْلٍ بِثَلَاثَةٍ، وَسَائِرُ الْأَطْعِمَاتِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ قَرِيبَ الْحَالِ سِوَى اللَّحْمِ بِدِرْهَمَيْنِ وَرُبْعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَغَالِبُ أَهْلِ حَوْرَانَ يَرِدُونَ من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمئونة وَالْبِدَارِ مِنْ دِمَشْقَ، وَبِيعَ عِنْدَهُمُ الْقَمْحُ الْمُغَرْبَلُ كُلُّ مُدٍّ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَهُمْ فِي جَهْدٍ شَدِيدٍ، وَاللَّهُ هُوَ الْمَأْمُولُ الْمَسْئُولُ. وَإِذَا سَافَرَ أحد يشق عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمَاءِ لِنَفْسِهِ وَلِفَرَسِهِ وَدَابَّتِهِ، لِأَنَّ المياه التي في الدرب كلها نفذت، وَأَمَّا الْقُدْسُ فَأَشَدُّ حَالًا وَأَبْلَغُ فِي ذَلِكَ.

وَلَمَّا كَانَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى عِبَادِهِ بِإِرْسَالِ الْغَيْثِ الْمُتَدَارَكِ الّذي أحيى الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ، وَتَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدْرَانِ، وَامْتَلَأَتْ بِرْكَةُ زُرَعَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَطْرَةٌ، وَجَاءَتْ بِذَلِكَ الْبَشَائِرُ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَذُكِرَ أَنَّ الْمَاءَ عَمَّ الْبِلَادَ كُلَّهَا، وَأَنَّ الثَّلْجَ عَلَى جَبَلِ بَنِي هِلَالٍ كَثِيرٌ، وَأَمَّا الْجِبَالُ الَّتِي حَوْلَ دِمَشْقَ فَعَلَيْهَا ثُلُوجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَاطْمَأَنَّتِ القلوب وحصل فرج شَدِيدٌ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ بَقِيَ مِنْ تِشْرِينَ الثَّانِي.

وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْحَنْبَلِيُّ بِالصَّالِحِيَّةِ وَهُوَ خَطِيبُ الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَشْهُورِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُلَقِّنُ الْأَمْوَاتَ بَعْدَ دَفْنِهِمْ، فَلَقَّنَهُ اللَّهُ حُجَّتَهُ وَثَبَّتَهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.

مَقْتَلُ الْمُظَفَّرِ وَتَوْلِيَةُ النَّاصِرِ حَسَنِ بْنِ النَّاصِرِ

وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ جَاءَ الْبَرِيدُ مِنْ نَائِبِ غَزَّةَ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ بِقَتْلِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي بْنِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ، وَقَعَ بَيْنَهُ وبين الأمراء فتحيزوا عنه إلى قبة النصر فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ فَقُتِلَ فِي الْحَالِ وَسُحِبَ إِلَى مَقْبَرَةٍ هُنَاكَ، وَيُقَالُ قُطِّعَ قطعا، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. ٢: ١٥٦ وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ آخِرَ النَّهَارِ وَرَدَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرٌ لِلْبَيْعَةِ لِأَخِيهِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ حَسَنٍ ابْنِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ في القلعة المنصورة، وزين البلد بكماله وللَّه الحمد فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ مَنْ أَمْكَنَ مِنَ النَّاسِ، وما أصبح صباح يوم السبت إلا زُيِّنَ الْبَلَدُ بِكَمَالِهِ وللَّه الْحَمْدُ عَلَى انْتِظَامِ الْكَلِمَةِ، وَاجْتِمَاعِ الْأُلْفَةِ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ قَدِمَ الْأَمِيرُ فَخْرُ الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>