للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء بأعظم مما جاء به العلاء بن الحضرميّ من ناحية البحرين. فأحب العلاء أن يفعل فعلا في فارس نظير ما فعله سعد فيهم، فندب الناس إلى حربهم، فاستجاب له أهل بلاده، فجزأهم أجزاء، فعلى فرقة الجارود بن المعلى، وعلى الأخرى السوار بن همام، وعلى الأخرى خليد بن المنذر بن ساوى، وخليد هو أمير الجماعة. فحملهم في البحر إلى فارس، وذلك بغير إذن عمر له في ذلك - وكان عمر يكره ذلك لأن رسول الله وأبا بكر ما أغزيا فيه المسلمين - فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا من عند إصطخر فحالت فارس بينهم وبين سفنهم، فقام في الناس خليد بن المنذر فقال:

أيها الناس، إنما أراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم، وأنتم جئتم لمحاربتهم، فاستعينوا بالله وقاتلوهم، فإنما الأرض والسفن لمن غلب، ﴿وَاِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في مكان من الأرض يدعى طاوس، ثم أمر خليد المسلمين فترجلوا وقاتلوا فصبروا، ثم ظفروا فقتلوا فارس مقتلة لم يقتلوا قبلها مثلها. ثم خرجوا يريدون البصرة فغرقت بهم سفنهم، ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا ووجدوا شهرك في أهل إصطخر قد أخذوا على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا من العدو. ولما بلغ عمر ما صنع العلاء بن الحضرميّ، اشتد غضبه عليه، وبعث إليه فعزله وتوعده، وأمره بأثقل الأشياء عليه، وأبغض الوجوه إليه. فقال: الحق بسعد بن أبى وقاص [فخرج العلاء إلى سعد بن أبى وقاص (١) و (٢)] مضافا إليه، وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان: إن العلاء بن الحضرميّ خرج بجيش فأقطعهم أهل فارس وعصاني، وأظنه لم يرد الله بذلك، فخشيت عليهم إن لا ينصروا، أن يغلبوا وينشبوا، فاندب إليهم الناس واضممهم إليك من قبل أن يحتاجوا. فندب عتبة المسلمين وأخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك، فانتدب جماعة من الأمراء الأبطال، منهم هاشم بن أبى وقاص، وعاصم بن عمرو، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، والأخنف بن قيس، وغيرهم، في اثنى عشر ألفا. وعلى الجميع أبو سبرة بن أبى رهم. فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعا، فساروا على الساحل لا يلقون أحدا حتى انتهوا إلى موضع الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء، وبين أهل فارس بالمكان المسمى بطاوس، وإذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب، وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه، وقد تكاملت أمداد المشركين، ولم يبق إلا القتال. فقدم المسلمون إليهم في أحوج ما هم فيه إليهم، فالتقوا مع المشركين رأسا، فكسر أبو سبرة المشركين كسرة عظيمة، وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا، وأخذ منهم أموالا جزيلة باهرة، واستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من أيديهم، وأعز به الإسلام وأهله، ودفع


(١) بياض بالنسخة المصرية.
(٢) زيادة بالمصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>