فَبَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِذْ قُبِضَتْ رُوحُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ. وَرَأَتِ ابْنَتُهُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ فَانْتَبَهَتْ مَذْعُورَةً فَقَالَتْ لِأُمِّهَا أَيْنَ أَبِي؟ قَالَتْ: هُوَ فِي مُصَلَّاهُ، فَنَادَتْهُ فَلَمْ يُجِبْهَا، فَجَاءَتْهُ فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ لِجَنْبِهِ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَخَلِيفَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي أَوَّلِ إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ
صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ، وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ ثَمَانِينَ حَجَّةً وَعُمْرَةً، وَكَانَ يُهِلُّ مِنَ الْكُوفَةِ، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ يَصُومُ حَتَّى يَخْضَرَّ وَيَصْفَرَّ، فَلَمَّا احْتَضَرَ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ فَقَالَ: مَا لِيَ لَا أَجْزَعُ؟ وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟
وَاللَّهِ لَوْ أنبئت بالمغفرة من الله لأهابن الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا قَدْ صَنَعْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنَبُ الصَّغِيرُ فَيَعْفُو عَنْهُ فَلَا يَزَالُ مُسْتَحْيِيًا مِنْهُ.
حُمْرَانُ بْنُ أَبَانٍ
مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَانَ مِنْ سبى عين النمر اشتراه عثمان، وهو الّذي كان يأذن الناس عَلَى عُثْمَانَ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ
كان فِي أَوَّلِهَا فِي مُسْتَهَلِّ صَفَرٍ مِنْهَا لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ اجْتِمَاعُ صَالِحِ بْنِ مُسَرِّحٍ أَمِيرِ الصُّفْرِيَّةِ، وشبيب ابن يَزِيدَ أَحَدِ شُجْعَانِ الْخَوَارِجِ، فَقَامَ فِيهِمْ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَأَنْ لَا يُقَاتِلُوا أَحَدًا حَتَّى يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ مَعَهُمْ، ثُمَّ مَالُوا إِلَى دَوَابِّ محمد بن مروان نائب الجزيرة فأخذوها فنفروا بها، وأقاموا بأرض دارا ثلاثة عشر لَيْلَةً، وَتَحَصَّنَ مِنْهُمْ أَهْلُ دَارَا وَنَصِيبِينَ وَسِنْجَارَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ نَائِبُ الْجَزِيرَةِ خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ عَلَيْهِمْ عَدِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ، ثُمَّ زَادَهُ خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى فَسَارَ فِي ألف من حران إليهم، وكأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، لما يعلموا مِنْ جَلَدِ الْخَوَارِجِ وَقُوَّتِهِمْ وَشِدَّةِ بِأَسِهِمْ، فَلَمَّا التقوا مع الخوارج هزمتهم الخوارج هَزِيمَةً شَنِيعَةً بَالِغَةً.
وَاحْتَوَوْا عَلَى مَا فِي معسكرهم، وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، فَغَضِبَ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مَعَ الْحَارِثِ بْنِ جعونة، وألفا وخمسمائة مع خالد بن الحر، وَقَالَ لَهُمَا: أَيُّكُمَا سَبَقَ إِلَيْهِمْ فَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَى النَّاسِ، فَسَارُوا إِلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَالْخَوَارِجُ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ نَفْسٍ وَعَشَرَةِ أَنْفُسٍ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى آمِدَ تَوَجَّهَ صالح في شطر الناس إلى خالد بن الحر، ووجه شبيبا في الباقي إلى الحارث ابن جعونة، فاقتتل الناس قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ انكشف كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute