إليه عبد الملك يأمره. بحمل خراج مصر - وقد كان عبد العزيز لا يحمل إليه شيئا من الخراج ولا غيره، وإنما كانت بلاد مصر بكمالها وبلاد المغرب وغير ذلك كلها لعبد العزيز، مغانمها وخراجها وحملها - فكتب عبد العزيز إلى عبد الملك: إني وإياك يا أمير المؤمنين قد بلغنا سنّا لا يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلا، وإني لا أدرى ولا تدري أينا يأتيه الموت أولا، فان رأيت أن لا تعتب عليّ بقية عمري فافعل، فرق له عبد الملك وكتب إليه: لعمري لا أعتب عليك بقية عمرك.
وقال عبد الملك لابنه الوليد: إن يرد الله أن يعطيكها لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك عنك، ثم قال لابنه الوليد وسليمان: هل قارفتما محرما أو حراما قط؟ فقالا: لا والله، فقال: الله أكبر، نلتماها ورب الكعبة. ويقال إن عبد الملك لما امتنع أخوه من إجابته إلى ما طلب منه في بيعته لولده الوليد دعا عليه وقال: اللهمّ إنه قطعني فاقطعه، فمات في هذه السنة كما ذكرنا، فلما جاءه الخبر بموت أخيه عبد العزيز ليلا حزن وبكى وبكى أهله بكاء كثيرا على عبد العزيز، ولكن سره ذلك من جهة ابنيه فإنه نال فيها ما كان يؤمله لهما من ولايته إياهما بعده. وقد كان الحجاج بعث إلى عبد الملك يحسن له ولاية الوليد ويزينها له من بعده، وأوفد إليه وفدا في ذلك عليهم عمران بن عصام العثرى، فلما دخلوا عليه قام عمران خطيبا فتكلم وتكلم الوفد في ذلك وحثوا عبد الملك على ذلك وأنشد عمران بن عصام في ذلك:
أمير المؤمنين إليك نهدى … على النأى التحية والسلاما
أجبنى في بنيك يكن جوابي … لهم عاديّة ولنا قواما
فلو أن الوليد أطاع فيه … جعلت له الخلافة والذماما
شبيهك حول قبته قريش … به يستمطر الناس الغماما
ومثلك في التقى لم يصب يوما … لدن خلع القلائد والتماما
فان تؤثر أخاك بها فانا … وجدك لا نطيق لها اتهاما
ولكنا نحاذر من بنيه … بنى العلات مأثرة سماما
ونخشى إن جعلت الملك فيهم … سحابا أن تعود لهم جهاما
فلا يك ما حلبت غدا لقوم … وبعد غد بنوك هم العباما
فأقسم لو تخطاني عصام … بذلك ما عذرت به عصاما
ولو أنى حبوت أخا بفضل … أريد به المقالة والمقاما
لعقّب في بنىّ على بنيه … كذلك أو لرمت له مراما
فمن يك في أقاربه صدوع … فصدع الملك أبطؤه التئاما