للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمثل ذلك ورد عليه مثله، وأقبلا بعد ما استخلفا في عملهما، إلى المدينة. وقدم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن فدخل المدينة وعليه جبة ديباج، فلما رآها عمر عليه أمر من هناك من الناس بتحريقها عنه،

فغضب خالد بن سعيد وقال لعلى بن أبى طالب: يا أبا الحسن! أغلبتم يا بني عبد مناف عن الإمرة؟ فقال له على: أمغالبة تراها أو خلافة؟ فقال لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم.

فقال له عمر بن الخطاب: اسكت فض الله فاك، والله لا تزال كاذبا تخوض فيما قلت ثم لا تضر إلا نفسك. وأبلغها عمر أبا بكر فلم يتأثر لها أبو بكر. ولما اجتمع عند الصديق من الجيوش ما أراد قام في الناس خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله، ثم حث الناس على الجهاد فقال: ألا لكل أمر جوامع، فمن بلغها فهي حسبه، ومن عمل لله كفاه الله، عليكم بالجد والقصد فان القصد أبلغ، ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا خشية له، ولا عمل لمن لا نية له، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به، هي النجاة التي دل الله عليها، إذ نجى بها من الخزي، وألحق بها الكرامة.

ثم شرع الصديق في تولية الأمراء وعقد الألوية والرايات، فيقال إن أول لواء عقده لخالد بن سعيد بن العاص، فجاء عمر بن الخطاب فثناه عنه وذكره بما قال. فلم يتأثر به الصديق كما تأثر به عمر، بل عزله عن الشام وولاه أرض «تيماء» يكون بها فيمن معه من المسلمين حتى يأتيه أمره. ثم عقد لواء يزيد بن أبي سفيان ومعه جمهور الناس، ومعه سهيل بن عمرو، وأشباهه من أهل مكة، وخرج معه ماشيا يوصيه بما أعتمده في حربه ومن معه من المسلمين، وجعل له دمشق. وبعث أبا عبيدة بن الجراح على جند آخر، وخرج معه ماشيا يوصيه، وجعل له نيابة حمص. وبعث عمرو بن العاص ومعه جند آخر وجعله على فلسطين. وأمر كل أمير أن يسلك طريقا غير طريق الآخر، لما لحظ في ذلك من المصالح. وكان الصديق اقتدى في ذلك بنبي الله يعقوب حين قال لبنيه ﴿يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَاُدْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾. فكان سلوك يزيد بن أبي سفيان على تبوك. قال المدائني باسناده عن شيوخه قالوا: وكان بعث أبي بكر هذه الجيوش في أول سنة ثلاث عشرة. قال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان: خرج أبو بكر ماشيا ويزيد بن أبي سفيان راكبا فجعل، يوصيه، فلما فرغ قال: أقرئك السلام وأستودعك الله، ثم انصرف ومضى يزيد وأجدّ السير. ثم تبعه شرحبيل بن حسنة، ثم أبو عبيدة مددا لهما، فسلكوا غير ذلك الطريق. وخرج عمرو بن العاص حتى نزل العرمات من أرض الشام. ويقال إن يزيد بن أبي سفيان نزل البلقاء أولا. ونزل شرحبيل بالأردن، ويقال ببصرى. ونزل أبو عبيدة بالجابية. وجعل الصديق يمدهم بالجيوش، وأمر كل

<<  <  ج: ص:  >  >>