للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكرمك. قال: قد فعل وما قبلت منه إلا لأتقوّى به على قتاله، فحض الناس فبايعوه، فبلغ ذلك يزيد فبعث إليهم مسلم بن عقبة، وقد بعث أهل المدينة إلى كل ماء بينهم وبين الشام فصبوا فيه زقا من قطران وغوّروه، فأرسل الله على جيش الشام السماء مدرارا بالمطر، فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة، فخرج أهل المدينة بجموع كثيرة وهيئة لم ير مثلها، فلم رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم، وكان أميرهم مسلم شديد الوجع، فبينما الناس في قتالهم إذ سمعوا التكبير من خلفهم في جوف المدينة، قد أقحم عليهم بنو حارثة من أهل الشام وهم على الجدر، فانهزم الناس فكان من أصيب في الخندق أعظم ممن قتل، فدخلوا المدينة وعبد الله بن حنظلة مستند إلى الجدار يغط نوما، فنبهه ابنه، فلما فتح عينيه ورأى ما صنع الناس، أمر أكبر بنيه فتقدم فقاتل حتى قتل، فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية، ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء.

وقد روى ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد الصمد من تاريخه من كتاب المجالسة لأحمد بن مروان المالكي: ثنا الحسين بن الحسن اليشكري ثنا الزيادي عن الأصمعي ح. وحدثني محمد بن الحارث عن المدائني قال: لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبى قبيس مساء تلك الليلة، وابن الزبير جالس يسمع: -

والصائمون القانتون … أولو العبادة والصلاح

المهتدون المحسنون … السابقون إلى الفلاح

ماذا بواقم والبقيع … من الجحاجحة الصباح

وبقاع يثرب ويحهنن … من النوادب والصياح

قتل الخيار بنوا الخيار … ذوى المهابة والسماح

فقال ابن الزبير: يا هؤلاء قتل أصحابكم ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.

وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد. وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبويّة ما لا يحد ولا يوصف، مما لا يعلمه إلا الله ﷿، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه، ودوام أيامه من غير منازع، فعاقبه الله بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر [وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.] (١)


(١) سقط من المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>