للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دنت راحلتي من راحلة النبي فيفزعني دنوها منه مخافة أن أصيب رجله في الغرز، فطفقت أحوّز راحلتي عنه حتى غلبتني عيني في بعض الطريق فزاحمت راحلتي راحلته ورجله في الغرز، فلم أستيقظ إلا بقوله «حس» فقلت يا رسول الله استغفر لي، قال «سر» فجعل رسول الله يسألنى عمن تخلف عنه من بنى غفار فأخبره به. فقال وهو يسألنى «ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط (١) الذين لا شعر في وجوههم؟» فحدثته بتخلفهم، قال «فما فعل النفر السود الجعاد القصار» قال قلت والله ما أعرف هؤلاء منا قال «بلى الذين لهم لعم بشبكة شدخ (٢)» فتذكرتهم في بنى غفار فلم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلّم كانوا حلفاء فينا، فقلت يا رسول الله أولئك رهط من أسلّم حلفاء فينا. فقال رسول الله «ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله، إن أعز أهلي على أن يتخلف عنى المهاجرون والأنصار وغفار وأسلّم».

قال ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة بن الزبير قال: لما قفل رسول الله من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق، فأخبر بخبرهم فامر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة وسلكها معه أولئك النفر وقد تلثموا، وأمر رسول الله عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه، عمار آخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم، فغضب رسول الله وأبصر حذيفة غضبه فرجع اليهم ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه، فلما رأوا حذيفة ظنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله فأمرهما فاسرعا حتى قطعوا العقبة ووقفوا ينتظرون الناس، ثم قال رسول الله لحذيفة «هل عرفت هؤلاء القوم؟» قال ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم، ثم قال «علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب؟» قالا لا، فأخبرهما بما كانوا تمالئوا عليه وسماهم لهما واستكتمهما ذلك؟ فقالا يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم؟ فقال «أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» وقد ذكر ابن إسحاق هذه القصة إلا أنه ذكر أن النبي إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده وهذا هو الأشبه والله أعلم. ويشهد له قول أبى الدرداء لعلقمة صاحب ابن مسعود: أليس فيكم - يعنى أهل الكوفة - صاحب السواد والوساد - يعنى ابن مسعود - أليس فيكم صاحب السر الّذي لا يعلمه غيره - يعنى حذيفة - أليس فيكم الّذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمد - يعنى عمارا - وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال لحذيفة: أقسمت عليك بالله أنا منهم؟ قال لا


(١) الثطاط بالثاء المثلثة جمع ثط وهو الّذي لا لحية له. عن السهيليّ، وفي الأصل الشطاط وفسره الخشنيّ بالصغير شعر للحية.
(٢) شبكة شدخ اسم ماء لأسلّم من بنى غفار بالحجاز. عن المعجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>