للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ. [والأمر لله وما شاء فعل ولو ساروا إلى الكوفة وبيتوا الجيش أو جعل جيشه كراديس لتم له الأمر مع تقدير الله تعالى] (١).

وأقبل الجيشان فتصافوا في باخمرى وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة فاقتتلوا بها قتالا شديدا فانهزم حميد بن قحطبة بمن معه من المقدمة، فجعل عيسى يناشدهم الله في الرجوع والكرة فلا يلوى عليه أحد، وثبت عيسى بن موسى في مائة رجل من أهله، فقيل له: لو تنحيت من مكانك هذا لئلا يحطمك جيش إبراهيم فقال: والله لا أزول منه حتى يفتح الله لي أو أقبل هاهنا. وكان المنصور قد تقدم إليه بما أخبره به بعض المنجمين أن الناس يكون لهم جولة عن عيسى بن موسى ثم يقومون إليه وتكون العاقبة له، فاستمر المنهزمون ذاهبين فانتهوا إلى نهر بين جبلين فلم يمكنهم خوضه فكروا راجعين بأجمعهم، وكان أول راجع حميد بن قحطبة الّذي كان أول من انهزم. ثم اجتلدوا هم وأصحاب إبراهيم فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل من كلا الفريقين خلق كثير، ثم انهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في خمسمائة، وقيل في أربعمائة، وقيل في تسعين رجلا، واستظهر عيسى بن موسى وأصحابه، وقتل إبراهيم في جملة من قتل واختلط رأسه مع رءوس أصحابه، فجعل حميد يأتى بالرءوس إلى عيسى بن موسى حتى عرفوا رأس إبراهيم فبعثوه مع البشير إلى المنصور، وكان نيبخت المنجم قد دخل على المنصور قبل مجيء الرأس فأخبره أن إبراهيم مقتول فلم يصدقه، فقال:

يا أمير المؤمنين إن لم تصدقني فاحبسنى فان لم يكن الأمر كما ذكرت فاقتلني. فبينا هو عنده إذ جاء البشير بهزيمة جيش إبراهيم، ولما جيء بالرأس تمثل المنصور ببيت معقر بن أوس بن حمار الباقي:

فألقت عصاها واستقر بها النوى … كما قرّ عينا بالإياب المسافر

وقيل إن المنصور لما رأى الرأس بكى حتى جعلت دموعه تسقط على الرأس وقال: والله لقد كنت لهذا كارها، ولكنك ابتليت بى وابتليت بك. ثم أمر بالرأس فنصب بالسوق. وأقطع نيبخت المنجم الكذاب ألفى جريب.

[فهذا المنجم إن كان قد أصاب في قضية واحدة فقد أخطأ في أشياء كثيرة، فهم كذبه كفره وقد كان المنصور في ضلال مع منجمه هذا، وقد ورث الملوك اعتقاد أقوال المنجمين وذلك ضلال لا يجوز] (٢).

وذكر صالح مولى المنصور قال: لما جيء برأس إبراهيم جلس المنصور مجلسا عاما وجعل الناس يدخلون عليه فيهنئونه وينالون من إبراهيم ويقبحون الكلام فيه ابتغاء مرضاة المنصور، والمنصور ساكت متغير اللون لا يتكلم، حتى دخل جعفر بن حنظلة البهراني فوقف فسلم ثم قال: أعظم الله


(١)، (٢) سقط من المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>