للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سفيان - واسمه المغيرة - ابن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. قال فقال أبو لهب: هلم إليّ فعندك لعمري الخبر، قال فجلس اليه والناس قيام عليه فقال: يا ابن أخى أخبرنى كيف كان أمر الناس؟ قال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت: تلك والله الملائكة. قال فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال وثاورته (١) فاحتملني وضرب بى الأرض ثم برك عليّ يضربني - وكنت رجلا ضعيفا - فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فبلغت في رأسه شجة منكرة، وقالت استضعفته إن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. زاد يونس عن ابن إسحاق، فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثا ما دفناه حتى أنتن. وكانت قريش تتقى هذه العدسة كما تتقى الطاعون حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أن أبا كما قد أنتن في بيته لا تدفنانه؟ فقالا إنا نخشى عدوة هذه القرحة، فقال انطلقا فانا أعينكما عليه فو الله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلا مكة فأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه بالحجارة. [قال يونس عن ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تمر على مكان أبى لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوز (٢)].

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد قال ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا لا تفعلوا يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا بهم لا يأرب (٣) عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قلت: وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت وهو تركهم النوح على قتلاهم، فان البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين. قال ابن إسحاق: وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده، زمعة وعقيل والحارث، وكان يحب أن يبكى على بنيه قال فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له - وكان قد ذهب بصره - انظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلى أبكى على أبى حكيمة - يعنى ولده زمعة - فان جوفي قد احترق، قال فلما رجع اليه الغلام قال إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أصلته قال فذاك حين يقول الأسود:

أتبكي أن أضل لها بعير … ويمنعها من النوم السهود


(١) كذا في الحلبية وابن هشام، وفي المصرية: وبادرته.
(٢) ما بين المربعين من الحلبية فقط ولم يرد في المصرية ولا في ابن هشام. ولكن السهيليّ أشار اليه وأسنده إلى بن إسحاق.
(٣) يأرب قال في النهاية في تفسير هذا الخبر: أي يتشددون عليكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>