اقتناء السودان والخصيان، وإعطائه الأموال والجواهر، وأمره بإحضار الملاهي والمغنين من سائر البلاد، وأنه أمر بعمل خمس حراقات على صورة الفيل والأسد والعقاب والحية والفرس، وأنفق على ذلك أموالا جزيلة جدا، وقد امتدحه أبو نواس بشعر أقبح في معناه من صنيع الأمين فإنه قال في أوله:
سخر الله للأمين مطايا … لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سرن برا … سار في الماء راكبا ليث غاب
ثم وصف كلا من تلك الحراقات. واعتنى الأمين ببنايات هائلة للنزهة وغيرها، وأنفق في ذلك أموالا كثيرة جدا. فكثر النكير عليه بسبب ذلك.
وذكر ابن جرير أنه جلس يوما في مجلس أنفق عليه ما لا جزيلا في الخلد، وقد فرش له بأنواع الحرير، ونضد بآنية الذهب والفضة، وأحضر ندماءه وأمر القهرمانة أن تهيئ له مائة جارية حسناء وأمرها أن تبعثهن إليه عشرا بعد عشر يغنينه، فلما جاءت العشر الأول اندفعن يغنين بصوت واحد:
همو قتلوه كي يكونوا مكانه … كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فغضب من ذلك وتبرم وضرب رأسها بالكأس، وأمر بالقهرمانة أن تلقى إلى الأسد فأكلها.
ثم استدعى بعشرة فاندفعن يغنين:
من كان مسرورا بمقتل مالك … فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه … يلطمن قبل تبلج الأسحار
فطردهن واستدعى بعشر غيرهن، فلما حضرن اندفعن يغنين بصوت واحد:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا … وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
فطردهن وقام من فوره وأمر بتخريب ذلك المجلس وتحريق ما فيه.
وذكر أنه كان كثير الأدب فصيحا يقول الشعر ويعطى عليه الجوائز الكثيرة، وكان شاعره أبا نواس، وقد قال فيه أبو نواس مدائح حسانا، وقد وجده مسجونا في حبس الرشيد مع الزنادقة فأحضره وأطلقه وأطلق له مالا وجعله من ندمائه، ثم حبسه مرة أخرى في شرب الخمر وأطال حبسه ثم أطلقه وأخذ عليه العهد أن لا يشرب الخمر ولا يأتى الذكور من المردان فامتثل ذلك، وكان لا يفعل شيئا من ذلك بعد ما استتابه الأمين، وقد تأدب على الكسائي وقرأ عليه القرآن.
وروى الخطيب من طريقه حديثا أورده عنه لما عزّى في غلام له توفى بمكة فقال: حدثني أبى عن أبيه عن المنصور عن أبيه عن على بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من مات محرمات حشر ملبيا».
وقد قدمنا ما وقع بينه وبين أخيه من الاختلاف والفرقة، حتى أفضى ذلك إلى خلعه وعزله، ثم