في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الحمد لله الّذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمدا ﷺ، والعلم شريد، والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب فلا يعطيهم خيرا لخير عندهم، ولا يصرف عنهم شرا لبشر عندهم، قد غيروا كتابهم، وألحقوا فيه ما ليس منه، والعرب الآمنون يحسبون أنهم في منعة من الله لا يعبدونه ولا يدعونه، فأجهدهم عيشا، وأضلهم دينا، في ظلف من الأرض مع ما فيه من السحاب فختمهم الله بمحمد، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم، ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه ﷺ فركب منهم الشيطان مركبه الّذي أنزله عليه، وأخذ بأيديهم، وبغى هلكتهم ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ﴾ إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم - وإن رجعوا إليه - أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد تقدم من بركة نبيكم ﷺ، وقد وكلكم إلى المولى الكافي، الّذي وجده ضالا فهداه، وعائلا فأغناه ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾ الآية، والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفى لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيدا من أهل الجنة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الّذي لا خلف له ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية، ثم نزل * وقال الحسن وقتادة وغيرهما في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ الآية، قالوا: المراد بذلك أبو بكر وأصحابه، في قتالهم المرتدين، ومانعي الزكاة * وقال محمد بن إسحاق: ارتدت العرب عند وفاة رسول الله ﷺ ما خلا أهل المسجدين، مكة، والمدينة، وارتدت أسد وغطفان وعليهم طليحة بن خويلد الأسدي الكاهن، وارتدت كندة ومن يليها، وعليهم الأشعث بن قيس الكندي، وارتدت مذحج ومن يليها، وعليهم الأسود بن كعب العنسيّ الكاهن، وارتدت ربيعة مع المعرور ابن النعمان بن المنذر، وكانت حنيفة مقيمة على أمرها مع مسيلمة بن حبيب الكذاب * وارتدت سليم مع الفجأة، واسمه أنس بن عبد يا ليل، وارتدت بنو تميم مع سجاح الكاهنة * وقال القاسم بن محمد:
اجتمعت أسد وغطفان وطيِّئ على طليحة الأسدي، وبعثوا وفودا إلى المدينة، فنزلوا على وجوه الناس فأنزلوهم إلا العباس، فحملوا بهم إلى أبى بكر، على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فعزم الله لأبى بكر على الحق وقال: لو منعونى عقالا لجاهدتهم، فردهم فرجعوا إلى عشائرهم، فأخبروهم بقلة أهل المدينة، وطمعوهم فيها، فجعل أبو بكر الحرس على أنقاب المدينة، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد وقال: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون ليلا يأتون أم نهارا، وأدناهم