للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم على بريد، وقد كان القوم يؤملون أن نقبل منهم ونوادعهم وقد أبينا عليهم، فاستعدوا وأعدوا فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة، وخلفوا نصفهم بذي حسي ليكونوا ردءا لهم، وأرسل الحرس إلى أبى بكر يخبرونه بالغارة، فبعث إليهم: أن الزموا مكانكم. وخرج أبو بكر في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانفشّ العدو واتبعهم المسلمون على إبلهم، حتى بلغوا ذا حسي فخرج عليهم الردء فالتقوا مع الجمع فكان الفتح وقد قال:

أطعنا رسول الله ما كان وسطنا … فيا لعباد الله ما لأبى بكر

أيورثنا بكرا إذا مات بعده … وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

فهلا رددتم وفدنا بزمانه؟ … وهلا خشيتم حسّ راعية البكر؟

وإن التي سألوكمو فمنعتمو … لكالتمر أو أحلى إليّ من التمر

وفي جمادى الآخرة ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب، إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها، فلما تواجه هو وأعداؤه من بنى عبس، وبنى مرة، وذبيان، ومن ناصب معهم من بنى كنانة، وأمدهم طليحة بابنه حبال، فلما تواجه القوم كانوا قد صنعوا مكيدة وهي أنهم عمدوا إلى أنحاء فنفخوها ثم أرسلوها من رءوس الجبال، فلما رأتها إبل أصحاب الصديق نفرت وذهبت كل مذهب، فلم يملكوا من أمرها شيئا إلى الليل، وحتى رجعت إلى المدينة، فقال في ذلك الخطيل بن أوس:

فدى لبني ذبيان رحلي وناقتي … عشية يحدى بالرماح أبو بكر

ولكن يدهدى بالرجال فهبنه … الى قدر ما أن تقيم ولا تسرى

ولله أجناد تذاق مذاقه … لتحسب فيما عد من عجب الدهر

أطعنا رسول الله ما كان بيننا … فيا لعباد الله ما لأبى بكر

فلما وقع ما وقع ظن القوم بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى عشائرهم من نواحي أخر، فاجتمعوا، وبات أبو بكر قائما ليله يعبئ الناس، ثم خرج على تعبئة من آخر الليل، وعلى ميمنته النعمان ابن مقرّن، وعلى الميسرة أخوه عبد الله بن مقرن، وعلى الساقة أخوهما سويد بن مقرن، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا، حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وقتل حبال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، وذل بها المشركون، وعز بها المسلمون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعل من وراءهم كفعلهم، فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، ففي ذلك يقول زياد بن حنظلة التميمي:

<<  <  ج: ص:  >  >>