ليس فيها سوى صبرة من قرظ، وأهبة معلقة، وصبرة من شعير، وإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر في جنبه، فهملت عينا عمر، فقال: مالك، فقلت: يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه، وكسرى وقيصر فيما هما فيه، فجلس محمرا وجهه فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ ثم قال:
أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا. وفي رواية لمسلم اما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فاحمد الله ﷿، ثم لما انقضى الشهر أمره الله ﷿ أن يخير أزواجه وأنزل عليه قوله:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً». وقد ذكرنا هذا مبسوطا في كتابنا التفسير وأنه بدأ بعائشة، فقال لها: إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمرى أبويك، وتلا عليها هذه الآية، قالت:
فقلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فانى أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وكذلك قال سائر أزواجه ﵇ ورضى عنهن *
وقال مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال: دخلت على رسول الله وهو على سرير مزمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمرو ناس من الصحابة فانحرف رسول الله انحرافة، فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ قال: وما لي لا أبكى وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال الّذي أرى، فقال: يا عمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك. هكذا رواه البيهقي *
وقال الامام أحمد:[حدثنا أبو النضر] ثنا مبارك عن الحسن عن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله وهو على سرير مضطجع مزمل بشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر فانحرف رسول الله انحرافة فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا وقد أثر الشريط بجنب رسول الله، فبكى عمر، فقال له رسول الله ﷺ: ما يبكيك يا عمر؟ قال: والله ما أبكى ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه وأنت يا رسول الله في المكان الّذي أرى، فقال رسول الله: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال فإنه كذلك *
وقال أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة بن مسعود قال: اضطجع رسول الله على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه وأقول بأبي أنت وأمى ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها * ورواه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم عن أبى داود الطيالسي به. وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي عن زيد بن الحباب كلاهما عن المسعودي به. وقال الترمذي حسن صحيح *