للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ إِذَا جَاءَتِ الْحَيَاةُ كَيْفَ تَحْيَوْنَ، وَإِلَى مَلِكِ السَّمَاءِ كَيْفَ تَرْقَوْنَ، فَلَوْ أَنَّهَا حَبَّةُ خَرْدَلَةٍ لَقَامَ عَلَيْهَا شَهِيدٌ يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ، وَلَأَكْثَرَ النَّاسُ فِيهَا الثُّبُورَ وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ لَعَنَهُ اللَّهُ شَرَعَ لِمَنِ اتَّبَعَهُ أَنَّ الأعزب يَتَزَوَّجُ فَإِذَا وُلِدَ لَهُ ذَكَرٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ حِينَئِذٍ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ذَلِكَ الْوَلَدُ الذِّكْرُ، فَتَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ حَتَّى يُولَدَ لَهُ ذَكَرٌ، هَذَا مِمَّا اقْتَرَحَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ، مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا خَلَا بِسَجَاحِ سَأَلَهَا مَاذَا يُوحَى إِلَيْهَا؟ فَقَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ النِّسَاءُ يَبْتَدِئْنَ؟ بَلْ أَنْتَ مَاذَا أُوحِيَ إِلَيْكَ؟

فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ فَعَلَ بِالْحُبْلَى؟ أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَا. قَالَتْ:

وَمَاذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خلق للنساء أَفْرَاجَا، وَجَعَلَ الرِّجَالَ لَهُنَّ أَزْوَاجًا، فَنُولِجُ فِيهِنَّ قُعْسًا إِيلَاجًا، ثُمَّ نُخْرِجُهَا إِذَا نَشَاءُ إِخْرَاجًا، فَيُنْتِجْنَ لَنَا سِخَالًا إِنْتَاجًا. فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَآكُلُ بِقَوْمِي وَقَوْمِكِ الْعَرَبَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ:

ألا قومي الى النيك ... فقد هيى لَكِ الْمَضْجَعْ

فَإِنْ شِئْتِ فَفِي الْبَيْتِ ... وَإِنْ شِئْتِ فَفِي الْمَخْدَعْ

وَإِنْ شِئْتِ سَلَقْنَاكِ ... وَإِنْ شِئْتِ عَلَى أَرْبَعْ

وَإِنْ شِئْتِ بِثُلْثَيْهِ ... وَإِنْ شِئْتِ بِهِ أَجْمَعْ

فَقَالَتْ: بَلْ بِهِ أَجْمَعْ، فَقَالَ: بِذَلِكَ أُوحِيَ إِلَيَّ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا فَقَالُوا: مَا أَصْدَقَكِ؟ فَقَالَتْ: لَمْ يَصْدُقْنِي شَيْئًا، فَقَالُوا: إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ فبعثت إليه تسأله صداقا، فَقَالَ: أَرْسِلِي إِلَيَّ مُؤَذِّنَكِ، فَبَعَثَتْهُ إِلَيْهِ- وَهُوَ شبت بْنُ رِبْعِيٍّ- فَقَالَ:

نَادِ فِي قَوْمِكَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ بْنَ حَبِيبٍ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَضَعَ عَنْكُمْ صَلَاتَيْنِ مِمَّا أَتَاكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ- يَعْنِي صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة- فَكَانَ هَذَا صَدَاقَهَا عَلَيْهِ لَعَنَهُمَا اللَّهُ ثُمَّ انثنت سَجَاحِ رَاجِعَةً إِلَى بِلَادِهَا وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَهَا دُنُوِّ خَالِدٍ مِنْ أَرْضِ الْيَمَامَةِ فَكَرَّتْ رَاجِعَةً إلى الجزيرة بعد ما قَبَضَتْ مِنْ مُسَيْلِمَةَ نِصْفَ خَرَاجِ أَرْضِهِ، فَأَقَامَتْ فِي قَوْمِهَا بَنِي تَغَلِبَ، إِلَى زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَاهُمْ مِنْهَا عَامَ الْجَمَاعَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ في موضعه.

فَصْلٌ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ

كَانَ قَدْ صَانَعَ سَجَاحِ حِينَ قَدِمَتْ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بِمُسَيْلِمَةَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ تَرَحَّلَتْ إِلَى بِلَادِهَا- فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ- نَدِمَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَتَلَوَّمَ فِي شَأْنِهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْبُطَاحُ، فَقَصَدَهَا خَالِدٌ بِجُنُودِهِ وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ الْأَنْصَارُ، وَقَالُوا: إِنَّا قَدْ قَضَيْنَا مَا أَمَرَنَا بِهِ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْ فعله، وفرصة لا بد من انتهازها، وإنه لَمْ يَأْتِنِي فِيهَا كِتَابٌ، وَأَنَا الْأَمِيرُ وَإِلَيَّ تَرِدُ الْأَخْبَارُ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُجْبِرُكُمْ عَلَى الْمَسِيرِ، وَأَنَا قَاصِدٌ الْبُطَاحَ. فَسَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>