للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستدل على مكانها من كعب الأحبار وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية. ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمرى اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك، وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهي المكان الّذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة وانسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى لك.

وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بايلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود قال لهم: انكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم أمروا بإزالتها فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها عمر بن الخطاب وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبى القاسم بن عساكر في كتابه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.

وذكر سيف في سياقه: أن عمر ركب من المدينة على فرس ليسرع السير بعد ما استخلف عليها على بن أبى طالب، فسار حتى قدم الجابية فنزل بها وخطب بالجابية خطبة طويلة بليغة منها: «أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعلموا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي ولا بينه وبين الله هوادة، فمن أراد لحب (طريق) وجه الجنة فليلزم الجماعة فان الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد، ولا يخلون أحدكم بامرأة فان الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» وهي خطبة طويلة اختصرناها. ثم صالح عمر أهل الجابية ورحل إلى بيت المقدس وقد كتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه في اليوم الفلاني إلى الجابية فتوافوا أجمعون في ذلك اليوم إلى الجابية، فكان أول من تلقاه يزيد بن أبى سفيان، ثم أبو عبيدة، ثم خالد بن الوليد في خيول المسلمين وعليهم يلامق الديباج، فسار إليهم عمر ليحصبهم فاعتذروا إليه بأن عليهم السلاح، وأنهم يحتاجون إليه في حروبهم. فسكت عنهم واجتمع الأمراء كلهم بعد ما استخلفوا على أعمالهم، سوى عمرو بن العاص وشرحبيل فإنهما مواقفان الأرطبون بأجنادين، فبينما عمر في الجابية إذا بكردوس من الروم بأيديهم سيوف مسللة، فسار إليهم المسلمون بالسلاح فقال عمر:

إن هؤلاء قوم يستأمنون. فساروا نحوهم فإذا هم جند من بيت المقدس يطلبون الأمان والصلح من أمير المؤمنين حين سمعوا بقدومه فأجابهم عمر إلى ما سألوا، وكتب لهم كتاب أمان

<<  <  ج: ص:  >  >>