محاجمه يهريقه فحساه، فلما رجع إلى النبي ﷺ، قال:«ما صنعت يا عبد الله بالدم؟ قلت: جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس، قال: فلعلك شربته؟ قلت نعم! قال: ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس، وويل للناس منك».
ودخل سلمان الفارسي مرة على النبي ﷺ فإذا عبد الله بن الزبير قائم في الدهليز ومعه طست يشرب منه، فدخل سلمان ودخل عبد الله على رسول الله ﷺ، قال له:«فرغت؟ قال: نعم: قال سلمان: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أعطيته غسالة محاجمى يهريق ما فيها، قال سلمان: شربها والّذي بعثك بالحق، قال شربته؟ قال: نعم! قال: لم؟ قال: أحببت أن يكون دم رسول الله ﷺ في جوفي، فقال بيده على رأس ابن الزبير، وقال: ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا تحلة القسم». ولما بعث يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير ذلك القيد من ذهب وسلسلة من فضة وجامعة من فضة وأقسم لتأتينى فيها، فقالوا له:
بر قسم أمير المؤمنين فقال:
ولا ألين لغير الحق أسأله … حتى تلين لضرس الماضغ الحجر
ثم قال: والله لضربة بسيف بعز، أحب إلى من ضربة بسوط في ذل، ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية. وروى الطبراني أن ابن الزبير دخل على أمه فقال: إن في الموت لراحة، وكانت أمه قد أتت عليها مائة سنة لم تسقط لها سن، ولم يفسد لها بصر، فقالت: ما أحب أن أموت حتى آتى على أحد طرفيك، إما أن تملك فتقر عيني، وإما أن تقتل فأحتسبك، ثم خرج عنها وهو يقول: -
ولست بمبتاع الحياة بسبة … ولا بمريق من خشية الموت سلما
ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول ليكن أحدكم سيفه كما وجهه فيدفع عن نفسه بيده كأنه أمراه، والله ما بقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول، وما ألمت جرحا إلا ألم الدواء، ثم حمل عليهم ومعه سفيان، فأول من لقيه الأسود فضربه بسيفه حتى أطن رجله، فقال له الأسود: أخ يا ابن الزانية، فقال له ابن الزبير: اخسأ يا ابن حام، أسماء زانية؟ ثم أخرجهم من المسجد، وكان على ظهر المسجد جماعة من أعوانه يرمون أعداءه بالآجر، فأصابته آجرة من أعوانه من غير قصد في مفرق رأسه ففلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول: لو كان قرني واحدا كفيته ويقول: -
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا … ولكن على أقدامنا يقطر الدم
ثم وقع فأكب عليه موليان له وهما يقولان: العبد يحمى ربه ويحتمي. ثم أرسلوا إليه فحزوا رأسه. وروى الطبراني أيضا عن إسحاق بن أبى إسحاق قال: أنا حاضر مقتل عبد الله بن الزبير في المسجد الحرام، يوم قتل جعلت الجيوش تدخل من أبواب المسجد، وكلما دخل قوم من باب حمل