تكاثروا عليه حتى قتلوه واحتزوا رأسه، وكان مقتله قريبا من الحجون، ويقال: بل قتل وهو متعلق بأستار الكعبة فالله أعلم. ثم صلبه الحجاج منكسا على ثنية كدا عند الحجون، ثم لما أنزله دفنه في مقابر اليهود كما رواه مسلم، وقيل دفن بالحجون بالمكان الّذي صلب فيه، فالله أعلم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال قال عبد الله بن الزبير لما جيء برأس المختار: ما كان يحدثنا كعب الأحبار شيئا إلا وجدناه إلا قوله إن فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي، قال ابن سيرين: ولم يشعر أنه قد خبئ له الحجاج. وروى هذا من وجه آخر. قلت: والمشهور أن مقتل الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى، وقيل الآخرة منها، وعن مالك وغيره أن مقتله كان على رأس اثنين وسبعين، والمشهور الصحيح هو الأول، وكانت بيعته في سابع رجب سنة أربع وستين، وكان مولده في أول سنة إحدى من الهجرة، وقيل في شوال سنة ثنتين من الهجرة، فمات وقد جاوز السبعين قطعا والله أعلم.
وأما أمه فإنها لم تعش بعده إلا مائة يوم، وقيل عشرة أيام، وقيل خمسة، والأول هو المشهور وستأتي ترجمتها قريبا ﵂ وعن أبيها وابنها، وقد رثى ابن الزبير وأخوه مصعب بمراثي كثيرة حسنة بليغة، من ذلك قول معمر بن أبى معمر الذهلي يرثيهما بأبيات: -
لعمرك ما أبقيت في الناس حاجة … ولا كنت ملبوس الهدى متذبذبا
غداة دعاني مصعب فأجبته … وقلت له أهلا وسهلا ومرحبا
أبوك حواري الرسول وسيفه … فأنت بحمد الله من خيرنا أبا
وذاك أخوك المهتدي بضيائه … بمكة يدعونا دعاء مثوبا
ولم أك ذا وجهين وجه لمصعب … مريض ووجه لابن مروان إذ صبا
وكنت امرأ ناصحته غير مؤثر … عليه ابن مروان ولا متقربا
إليه بما تقذى به عين مصعب … ولكنني ناصحت في الله مصعبا
إلى أن رمته الحادثات بسهمها … فيا لله سهما ما أسد وأصوبا
فان يك هذا الدهر أردى بمصعب … وأصبح عبد الله شلوا ملحبا
فكل امرئ حاس من الموت جرعة … وإن حاد عنها جهده وتهيبا
وقيل: إن عبد الله بن الزبير غسلته أمه أسماء بعد أن قطعت مفاصيله وحنطته وطيبته وكفنته وصلت عليه وحملته إلى المدينة، فدفنته بدار صفية بنت حييى، ثم إن هذه الدار زيدت في مسجد النبي ﷺ فهو مدفون في المسجد مع النبي ﷺ وأبى بكر وعمر، وقد ذكر ذلك غير واحد فالله أعلم.
وقد روى الطبراني عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه أن النبي ﷺ أعطاه دم