وهو حديث مرفوع في مسح رأس اليتيم إلى مقدم رأسه، ومسح رأس من له أب إلى مؤخر رأسه.
وقد وفد على الرشيد فهنأه بالخلافة فأكرمه وعظمه وزاده في عمله شيئا كثيرا. ولما أراد الخروج خرج معه الرشيد يشيعه إلى كلواذا. توفى في جمادى الآخرة من هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة، وقد أرسل الرشيد من اصطفى من ماله الصامت فوجد له من الذهب ثلاثة آلاف ألف دينار، ومن الدراهم ستة آلاف ألف، خارجا عن الأملاك.
وقد ذكر ابن جرير أن وفاته ووفاة الخيزران في يوم واحد، وقد وقفت جارية من جواريه على قبره فأنشأت تقول:
أمسى التراب لمن هويت مبيتا … الق التراب فقل له حييتا
إنا نحبك يا تراب وما بنا … إلا كرامة من عليه حثيتا
وفيها توفيت الخيزران جارية المهدي وأم أمير المؤمنين الهادي والرشيد، اشتراها المهدي وحظيت عنده جدا ثم أعتقها وتزوجها وولدت له خليفتين: موسى الهادي والرشيد. ولم يتفق هذا لغيرها من النساء إلا الولادة بنت العباس العبسية، زوجة عبد الملك بن مروان، وهي أم الوليد وسليمان. وكذلك لشاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد، ولدت لمولاها الوليد بن عبد الملك: مروان وإبراهيم. وكلاهما ولى الخلافة.
وقد روى من طريق الخيزران عن مولاها المهدي عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: «من اتقى الله وقاه كل شيء». ولما عرضت الخيزران على المهدي ليشتريها أعجبته إلا دقة في ساقيها، فقال لها: يا جارية إنك لعلى غاية المنى والجمال لولا دقة ساقيك وخموشهما. فقالت: يا أمير المؤمنين إنك أحوج ما تكون اليهما لا تراهما. فاستحسن جوابها واشتراها وحظيت عنده جدا. وقد حجت الخيزران مرة في حياة المهدي فكتب: إليها وهي بمكة يستوحش لها ويتشوق إليها بهذا الشعر: -
نحن في غاية السرور ولكن … ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودى … أنكم غيّب ونحن حضور
فأجدّوا في السير بل إن قدرتم … أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته أو أمرت من أجابه:
قد أتانا الّذي وصفت من الشوق … فكدنا وما قدرنا نطير
ليت أن الرياح كن يؤدين … إليكم ما قد يكنّ الضمير
لم أزل صبة فان كنت بعدي … في سرور فدام ذاك السرور
وذكروا أنه أهدى إليها محمد بن سليمان نائب البصرة الّذي مات في اليوم الّذي ماتت فيه مائة