للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد تفانى فيه الناس ولما سقط البعير إلى الأرض انهزم من حوله من الناس، وحمل هودج عائشة وانه لكالقنفذ من السهام، ونادى منادى على في الناس: إنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح، ولا يدخلوا الدور، وأمر على نفرا أن يحملوا الهودج من بين القتلى، وأمر محمد بن أبى بكر وعمارا أن يضربا عليها قبة، وجاء إليها أخوها محمد فسألها هل وصل إليك شيء من الجراح؟ فقالت: لا! وما أنت ذاك يا ابن الخثعمية. وسلم عليها عمار فقال: كيف أنت يا أم؟ فقالت: لست لك بأم. قال:

بلى! وإن كرهت،

وجاء إليها على بن أبى طالب أمير المؤمنين مسلما فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت:

بخير فقال: يغفر الله لك. وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون على أم المؤمنين ، ويقال إن أعين بن ضبيعة المجاشعي اطلع في الهودج فقالت: إليك لعنك الله، فقال: والله ما أرى إلا حميراء، فقالت: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك. فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمى عريانا في خربة من خرابات الأزد. فلما كان الليل دخلت أم المؤمنين البصرة - ومعها أخوها محمد بن أبى بكر - فنزلت في دار عبد الله بن خلف الخزاعي - وهي أعظم دار بالبصرة - على صفية بنت الحارث بن أبى طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة الطلحات عبد الله بن خلف، وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا البصرة، وقد طاف على بين القتلى فجعل كلما مر برجل يعرفه ترحم عليه ويقول: يعز على أن أرى قريشا صرعى. وقد مر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول فقال: لهفي عليك يا أبا محمد،

إنا لله وإنا إليه راجعون

والله لقد كنت كما قال الشاعر:

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه … إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

وأقام على بظاهر البصرة ثلاثا ثم صلى على القتلى من الفريقين، وخص قريشا بصلاة من بينهم، ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئا هو لأهلهم فليأخذه، إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان. وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، ورضى عن الصحابة منهم.

وقد سأل بعض أصحاب على عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليهم فطعن فيه السبائية وقالوا: كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك عليا فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبائية أيضا ونالوا منه من وراء وراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>