الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لأبى عبيدة حظه، فطعن، فمات واستخلف على الناس معاذ بن جبل، فقام خطيبا بعده. فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذا يسأل الله تعالى أن يقسم لآل معاذ حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم قام فدعا لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقلب (١) ظهر كفه ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص فقام فيهم خطيبا فقال:
أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال. فقال أبو وائل الهذلي: كذبت والله لقد صحبت رسول الله ﷺ وأنت شر من حماري هذا. فقال: والله ما أرد عليكم ما تقول، وأيم الله لا نقيم عليه. قال: ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ودفعه الله عنهم.
قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأى عمرو بن العاص فو الله ما كرهه. قال ابن إسحاق: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبى عبيدة ويزيد بن أبى سفيان، أمر معاوية على جند دمشق وخراجها، وأمر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها.
وقال سيف بن عمر عن شيوخه قالوا: لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه، وفنى خلق كثير من الناس، حتى طمع العدو وتخوفت قلوب المسلمين لذلك.
قلت: ولهذا قدم عمر بعد ذلك إلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لما أشكل أمرها على الأمراء، وطابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة.
وقال سيف بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة، قال: فلما أراد القفول إلى المدينة في ذي الحجة منها خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الّذي على في الّذي ولانى الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا بينكم فيئكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم العروج، وبوأنا لكم، ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانمكم. فمن علم شيئا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. قال وحضرت الصلاة فقال الناس: لو أمرت بلالا فأذن؟ فأمره فأذن فلم يبق أحد كان أدرك رسول الله ﷺ وبلال يؤذن إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره ﷺ.
وذكر ابن جرير في هذه السنة من طريق سيف بن عمر عن أبى المجالد أن عمر بن الخطاب