للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم خلقا كثيرا، واستشهد معه جماعة منهم فيما قيل قثم بن العباس بن عبد المطلب. قال ابن جرير:

سأل سعيد بن عثمان بن عفان معاوية أن يوليه خراسان فقال: إن بها عبيد الله بن زياد، فقال:

أما لقد اصطنعك أبى ورقاك حتى بلغت باصطناعه المدى الّذي لا يجارى إليه ولا يسامى، فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه، وقدمت على هذا - بعنى يزيد بن معاوية - وبايعت له، ووالله لأنا خير منه أبا وأما ونفسا. فقال له معاوية: أما بلاء أبيك عندي فقد يحق على الجزاء به، وقد كان من شكري لذلك أنى طلبت بدمه حتى تكشفت الأمور، ولست بلائم لنفسي في التشمير، وأما فضل أبيك على أبيه، فأبوك والله خير منى وأقرب برسول الله ، وأما فضل أمك على أمه فما لا ينكر، فان امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وأما فضلك عليه فو الله ما أحب أن الغوطة دحست ليزيد رجالا مثلك - يعنى أن الغوطة لو ملئت رجالا مثل سعيد بن عثمان كان يزيد خيرا وأحب إلى منهم. فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين ابن عمك وأنت أحق من نظر في أمره، وقد عتب عليك في فأعتبه. فولاه حرب خراسان، فأتى سمرقند فخرج إليه أهل الصغد من الترك فقاتلهم وهزمهم وحصرهم في مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهنا خمسين غلاما يكونون في يده من أبناء عظمائهم، فأقام بالترمذ ولم يف لهم، وجاء بالغلمان الرهن معه إلى المدينة. وفيها دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولى عهده من بعده، - وكان قد عزم قبل ذلك على هذا في حياة المغيرة بن شعبة - فروى ابن جرير من طريق الشعبي أن المغيرة كان قد قدم على معاوية وأعفاه من إمرة الكوفة فأعفاه لكبره وضعفه، وعزم على توليتها سعيد بن العاص، فلما بلغ ذلك المغيرة كأنه ندم، فجاء إلى يزيد ابن معاوية فأشار عليه بأن يسأل من أبيه أن يكون ولى العهد، فسأل ذلك من أبيه فقال: من أمرك بهذا؟ قال: المغيرة، فأعجب ذلك معاوية من المغيرة ورده إلى عمل الكوفة، وأمره أن يسعى في ذلك، فعند ذلك سعى المغيرة في توطيد ذلك، وكتب معاوية إلى زياد يستشيره في ذلك، فكره زياد ذلك لما يعلم من لعب يزيد وإقباله على اللعب والصيد، فبعث إليه من يثنى رأيه عن ذلك، وهو عبيد ابن كعب بن النميري - وكان صاحبا أكيدا لزياد - فسار إلى دمشق فاجتمع بيزيد أولا، فكلمه عن زياد وأشار عليه بان لا يطلب ذلك، فان تركه خير له من السعي فيه، فانزجر يزيد عما يريد من ذلك، واجتمع بأبيه واتفقا على ترك ذلك في هذا الوقت، فلما مات زياد وكانت هذه السنة، شرع معاوية في نظم ذلك والدعاء إليه، وعقد البيعة لولده يزيد، وكتب إلى الآفاق بذلك، فبايع له الناس في سائر الأقاليم، إلا عبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمرو الحسين بن على وعبد الله بن الزبير وابن عباس، فركب معاوية إلى مكة معتمرا، فلما اجتاز بالمدينة - مرجعه من مكة - استدعى كل واحد من هؤلاء الخمسة فأوعده وتهدده بانفراده، فكان من أشدهم عليه ردا وأجلدهم في الكلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>