عن البخاري ومسلم أيهما أعلم؟ فقال: كان البخاري عالما ومسلم عالما، فكررت ذلك عليه مرارا وهو يرد على هذا الجواب ثم قال: يا أبا عمرو قد يقع للبخاريّ الغلط في أهل الشام، وذلك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه ويتوهم أنهما اثنان، وأما مسلم فقل ما يقع له الغلط لأنه كتب المقاطيع والمراسيل. قال الخطيب: إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه. ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه. وقد حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصير في قال سمعت أبا الحسن قطنى يقول:
لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء قال الخطيب: وأخبرنى أبو بكر المنكدر ثنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثني أبو نصر بن محمد الزراد سمعت أبا حامد أحمد بن حمدان القصار سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبّل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، حدثك محمد بن سلام ثنا مخلد بن يزيد الحراني حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي ﷺ في كفارة المجلس فما علته؟ فقال البخاري: هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، الا أنه معلول ثنا به موسى بن إسماعيل ثنا وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال البخاري: وهذا أولى فإنه لا يعرف لموسى بن عقبة سماع من سهيل. قلت: وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة وأوردت فيه طرقه وألفاظه ومتنه وعلله. قال الخطيب: وقد كان مسلم يناضل عن البخاري. ثم ذكر ما وقع بين البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن في نيسابور، وكيف نودي على البخاري بسبب ذلك بنيسابور، وأن الذهلي قال يوما لأهل مجلسه وفيهم مسلم بن الحجاج: ألا من كان يقول بقول البخاري في مسألة اللفظ بالقرآن فليعتزل مجلسنا. فنهض مسلم من فوره إلى منزله، وجمع ما كان سمعه من الذهلي جميعه وأرسله إليه وترك الرواية عن الذهلي بالكلية فلم يرو عنه شيئا لا في صحيحه ولا في غيره، واستحكمت الوحشة بينهما. هذا ولم يترك البخاري محمد بن يحيى الذهلي بل روى عنه في صحيحه وغيره وعذره ﵀.
وقد ذكر الخطيب سبب موت مسلم ﵀ أنه عقد له مجلس للمذاكرة فسئل يوما عن حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله فأوقد السراج وقال لأهله: لا يدخل أحد الليلة على، وقد أهديت له سلة من تمر فهي عنده يأكل تمرة ويكشف عن حديث ثم يأكل أخرى ويكشف عن آخر، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح وقد أكل تلك السلة وهو لا يشعر. فحصل له بسبب ذلك ثقل ومرض من ذلك حتى كانت وفاته عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور، وكان مولده في السنة التي توفى فيها الشافعيّ، وهي سنة أربع ومائتين، فكان