الشيخ الصالح أبو عمر المقدسي، باني المدرسة التي بالسفح يقرأ بها القرآن العزيز، وهو أخو الشيخ موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، وكان أبو عمر أسن منه، لأنه ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بقرية الساويا، وقيل بجماعيل، والشيخ أبو عمر ربى الشيخ موفق الدين وأحسن إليه وزوجه، وكان يقوم بمصالحه، فلما قدموا من الأرض المقدسة نزلوا بمسجد أبى صالح خارج باب شرقى ثم انتقلوا منه إلى السفح، وليس به من العمارة شيء سوى دير الحوراني، قال فقيل لنا الصالحيين نسبة إلى مسجد أبى صالح لا أنا صالحون، وسميت هذه البقعة من ذلك الحين بالصالحية نسبة إلينا، فقرأ الشيخ أبو عمر القرآن على رواية أبى عمر، وحفظ مختصر الخرقى في الفقه، ثم إن أخاه الموفق شرحه فيما بعد فكتب شرحه بيده، وكتب تفسير البغوي والحلية لأبى نعيم والابانة لابن بطة، وكتب مصاحف كثيرة بيده للناس ولأهله بلا أجرة، وكان كثير العبادة والزهادة والتهجد، ويصوم الدهر وكان لا يزال متبسما، وكان يقرأ كل يوم سبعا بين الظهر والعصر ويصلى الضحى ثماني ركعات يقرأ فيهن ألف مرة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، وكان يزور مغارة الدم في كل يوم اثنين وخميس، ويجمع في طريقه الشيخ فيعطيه الأرامل والمساكين، ومهما تهيأ له من فتوح وغيره يؤثر به أهله والمساكين، وكان متقللا في الملبس وربما مضت عليه مدة لا يلبس فيها سراويل ولا قميصا، وكان يقطع من عمامته قطعا يتصدق بها أو في تكميل كفن ميت، وكان هو وأخوه وابن خالهم الحافظ عبد الغنى وأخوه الشيخ العماد لا ينقطعون عن غزاة يخرج فيها الملك صلاح الدين إلى بلاد الفرنج، وقد حضروا معه فتح القدس والسواحل وغيرها، وجاء الملك العادل يوما إلى ختمهم أي خصهم لزيارة أبى عمر وهو قائم يصلى، فما قطع صلاته ولا أوجز فيها، فجلس السلطان واستمر أبو عمر في صلاته ولم يلتفت إليه حتى قضى صلاته ﵀. والشيخ أبو عمر هو الّذي شرع في بناء المسجد الجامع أولا بمال رجل فامي، فنفد ما عنده وقد ارتفع البناء قامة فبعث صاحب إربل الملك المظفر كوكرى مالا فكمل به، وولى خطابته الشيخ أبو عمر، فكان يخطب به وعليه لباسه الضعيف وعليه أنوار الخشية والتقوى والخوف من الله ﷿، والمسك كيف خبأته ظهر عليك وبان، وكان المنبر الّذي فيه يومئذ ثلاث مراقى والرابعة للجلوس، كما كان المنبر النبوي، وقد حكى أبو المظفر أنه حضر يوما عنده الجمعة وكان الشيخ عبد الله البوتاني حاضرا الجمعة أيضا عنده، فلما انتهى في خطبته إلى الدعاء للسلطان قال: اللهمّ أصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب، فلما قال ذلك نهض الشيخ عبد الله البوتاني وأخذ نعليه وخرج من الجامع وترك صلاة الجمعة، فلما فرغنا ذهبت إلى البوتاني فقلت له: ماذا نقمت عليه في قوله؟ فقال يقول لهذا الظالم العادل؟ لا صليت معه، قال فبينما نحن في الحديث إذ أقبل الشيخ أبو عمر ومعه رغيف وخيارتان فكسر ذلك الرغيف وقال الصلاة، ثم