فتظهر للناس أنك تخشى الله ليحمدوك وقلبك فاجر. وقال أيضا: أيها الناس إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للبقاء، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الجنة أو النار.
وقال أيضا: عباد الرحمن إنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال إلى دار مقام، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود، فمن لم يعمل على يقين فلا تنفعن، عباد الرحمن لو قد غفرت خطاياكم الماضية لكان فيما تستقبلون لكم شغلا، ولو عملتم بما تعلمون لكان لكم مقتدا وملتجا، عباد الرحمن إماما وكلتم به فتضيعونه، وأما ما تكفل الله لكم به فتطلبونه، ما هكذا نعت الله عباده الموقنين، أذوو عقول في الدنيا وبله في الآخرة، وعمى عما خلقتم له بصراء في أمر الدنيا؟ فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعته، فكذلك أشفقوا من عذابه بما تنتهكون من معاصيه، عباد الرحمن! هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم قد تقبل منكم؟ أو شيئا من خطاياكم قد غفر لكم؟ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم ما فرض عليكم.
أترغبون في طاعة الله لدار معمورة بالآفات؟ ولا ترغبون وتنافسون في جنة أكلها دائم وظلها، وعرضها عرض الأرض والسموات ﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ﴾ وقال أيضا: الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل، وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل. عباد الرحمن يقال لأحدنا: تحب أن تموت؟ فيقول: لا! فيقال له: لم؟ فيقول: حتى أعمل، فيقال له: اعمل، فيقول سوف أعمل، فلا تحب أن تموت، ولا تحب أن تعمل، وأحب شيء إليه يحب أن يؤخر عمل الله، ولا يحب أن يؤخر الله عنه عرض دنياه. عباد الرحمن إن العبد ليعمل الفريضة الواحدة من فرائض الله وقد أضاع ما سواها، فما يزال يمنيه الشيطان ويزين له حتى ما يرى شيئا دون الجنة، مع إقامته على معاصي الله. عباد الرحمن قبل أن تعملوا أعمالكم فانظروا ماذا تريدون بها، فان كانت خالصة فامضوها وإن كانت لغير الله فلا تشقوا على أنفسكم، فان الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، فإنه قال ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ وقال أيضا: إن الله ليس إلى عذابكم بالسريع، يقبل المقبل ويدعو المدبر، وقال أيضا: إذا رأيت الرجل متحرجا لحوحا مماريا معجبا برأيه فقد تمت خسارته. وقال الأوزاعي: خرج الناس بدمشق يستسقون فقام بهم بلال بن سعد فقال: يا معشر من حضر! ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا: نعم، فقال: اللهمّ إنك قلت ﴿ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ وقد أقررنا بالإساءة فاعف عنا واغفر لنا. قال: فسقوا يومهم ذلك: وقال أيضا: سمعته يقول: لقد أدركت أقواما يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جثّهم الليل كانوا رهبانا. وسمعته أيضا يقول:
لا تنظر إلى صغر الذنب وانظر إلى من عصيت. وسمعته يقول: من بادأك بالود فقد استرقك بالشكر.