حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح. فسلم عليه وكلمه فلم يرد اليه سطيح جوابا فأنشأ يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن … أم فاد فازلم به شأو العنن
يا فأصل الخطة أعيت من ومن … أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن … أزرق نهم الناب صرار الاذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن … رسول قيل العجم يسرى للوسن
يجوب بى الأرض علنداة شزن … لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
ترفعني وجنا وتهوى بى وجن … حتى أتى عاري الجآجي والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن … كأنما حثحث من حضنى ثكن (١)
قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بنى ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما. يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكلما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضى العزم شمير … لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بنى ساسان أفرطهم … فان ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة … يخاف صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته … والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا … أن قد أقل فمحقور ومهجور
ورب قوم لهم صحبان ذي اذن … بدت تلهيهم فيه المزامير
وهم بنو الام إما طن رأوا نشبا … فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن … فالخير متبع والشر محذور
قال فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان ﵁. ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس عن على بن حرب الموصلي بنحوه.
(١) راجعنا كثيرا من مظان هذه القصة فوجدنا فيها اختلافا كبيرا بزيادة ونقص وقد اعتمدنا في تصحيحها على لسان العرب في مادة سطح ج ٢ ص ٣١٢.